المراهنات الرياضية: على ماذا نقامر حقاً في كرة القدم؟

المراهنات الرياضية: على ماذا نقامر حقاً في كرة القدم؟

ترمز شخصية “فارس”، في فيلم “الحريف” لمحمد خان، وبطولة عادل إمام، لكل موهبة فذة لم تنل فرصة حقيقية في الحياة. يصوّر لنا الفيلم قصة البطل، بوصفها مأساة لكل موهبة اندثرت، بسبب ظروفها الشخصية، أو بسبب صعوبة الواقع، وتفشّي الفساد. ويعرّج على حال القاهرة في فترة الثمانينيات من القرن الماضي، من خلال تسليط كادراته على شوارعها، التي تجمع الشتيتين: أبراج شاهقة في وسط المدينة؛ وشوارع في الجوار، تملأ جنباتها القمامة، وتحوي من البشر أشباها، أنصاف أحياء، وأنصاف أموات.

في خضم كل هذا نرى فارسا، شخصا قتله الحلم ألف مرة، فهو لاعب كرة ماهر، يستحق التواجد ضمن صفوف كبرى أندية القاهرة، مثل الأهلي أو الزمالك، لكن كل ذلك أضحى مستحيلا، في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها، هو وملايين المصريين، فلم يبق أمامه سوى أن يتخذ من المقامرة على موهبته تلك سبيلا للقمة العيش. وهنا حديث آخر.

تعج المدن والأقاليم المصرية بما يُعرف بظاهرة “المراهنات الرياضية”، وأصبحت محل حديث الجميع، بل وصل الأمر إلى أنها أصبحت حديث الإعلام الرياضي، فقد خرج لاعب كرة القدم المصري السابق أحمد حسام ميدو، للحديث عن الأمر في الإعلام، محذّرا مما سمّاه “الخطر الذي يداهم البيت المصري ككل، وليس الرياضة المصرية فقط”. وتحدّث عن أن أحد أبنائه وقع في المحذور، وشارك في إحدى المسابقات، التي ينظمها أحد مواقع الرهانات.

المراهنة الرياضية شكل من أشكال المقامرة، توفّر لعشاق الرياضة طريقة مختلفة للتفاعل مع فرقهم، والاستفادة من شغفهم وعواطفهم خلال المباريات الكبيرة. ومع ذلك، فإن حالة الإثارة هذه قد تكون لها آثار صعبة عليهم، إذ قد يؤدي الغرق في الرهانات إلى قلب حياتهم رأسا على عقب.

فما الأبعاد الفعلية لهذه الظاهرة في مصر والعالم العربي؟ وهل المراهنات مجرد ظاهرة سلبية، ينبغي محاربتها؟

حكاوي القهاوي: كيف يقامر المصريون؟

“في الكورة مفيش نص ونص، يا إما تبقى فوق والناس تهلل ليك، يا إما تبقى عادي، وأي كلام. وأنا الحتة دي كانت وجعاني أوي، قولت لنفسي على إيه؟ وخدتها من قصيرها، وخرجت قبل ما يستغنوا عني”

دار الحوار أعلاه، ما بين فارس وصديقه القديم، وزميل الملاعب “شعبان”، وفيه يشرح شعبان لفارس سبب تركه لكرة القدم. لعل الجملة الأبرز في هذا الحوار هي “في الكورة مفيش نص ونص”. تلك الحقيقة، التي ينتبه لها فارس، وكأنه يعرفها للمرة الأولى، نبّهته إلى أن الموضوع بالنسبة له ليس مجرد مقامرة لكسب لقمة العيش، بل هنالك ما هو أعمق: البحث عن استحقاق تدفعه نفسه إليه، استحقاق الحصول على الاعتراف بموهبته، عبر مراهنة الناس عليه.

في العالم العربي لم تحظ المراهنات الرياضية بأهمية معلنة، بسبب تجريم الدول، واتحادات كرة القدم العربية لها. لكن في القاهرة على سبيل المثال، يكفي أن تجلس في مقهى شعبي، أثناء مباراة للأهلي أو الزمالك، لتجد المراهنات حديث العامة.

طبقا للصحفي الرياضي المصري محمود ضياء، فإن إحدى الإحصاءات، التي أجريت مطلع عام 2024، بيّنت أن مصر الدولة الخامسة في العالم استخداما لمواقع 1xbet، وهو من أشهر مواقع الرهانات الرياضية، وأن ما نسبته 4.97% من الشعب المصري يراهن على مباريات كرة القدم، داخليا وخارجيا.

يضيف ضياء، أن المراهنات الكروية “أصبحت كالسرطان، الذي يضرب كرة القدم المصرية والعربية، بل أن الأمر وصل إلى أن هذا الموقع هو أحد رعاة الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، وفرق عربية شهيرة، مثل الرجاء المغربي”.

التقينا أحد محللي الكرة المصريين، الذي رفض الافصاح عن اسمه، وسألناه عن الظاهرة، فأكد أن “السبب الرئيسي وراء انتشار ظاهرة المراهنات في مصر، هو الظروف الاقتصادية الطاحنة، التي يعانيها الشعب المصري في هذه الآونة، لأنها مصدر للحصول على المال. فالمراهنة على مباريات كرة القدم قد تكون بمثابة القشة، التي قد تنقذ رب أسرة يصارع الغرق، خاصةً وأنه غير مضطر للذهاب إلى أحد صالات القمار، التي يوصم روادها بالعار أحيانا كثيرة، بل يمكنه المراهنة عبر الإنترنت”. 

وتوقّع المحلل “زيادة مثل هكذا مصادر لكسب المال، كلما زادت الأزمات الاقتصادية”، مضيفا أن “البلدان العربية أصبحت تعج بمواقع المراهنات تلك، بسبب ظروف تلك البلدان”.

كل هذا في دول عربية مثل مصر، تلتزم بقوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية، التي تحرّم القمار بصرامة، ولكن ماذا عن بلدان أكثر تساهلا؟

كازينو لبنان: ما مدى منفعة الريادة في قوننة المراهنات؟

كان لبنان من أوائل دول المنطقة، التي سمحت بألعاب المراهنات والقمار، حين تم تأسيس “كازينو لبنان”، بموجب مرسوم جمهوري، صدر سنة 1954، قضى بحصر ألعاب القمار فيه دون سواه، وفي عام 1966 أنشئ “ميدان سباق الخيل” في بيروت، بناء على مرسوم ترخيص بفتح الميدان واستثماره، استنادا لقانون المراهنات، الصادر في الخامس من آذار/مارس 1932، وبالتالي باتت المقامرة إحدى أبرز الروافد الاقتصادية، ووجهات السياحة في لبنان.

وعلى الرغم من أن لبنان كان سبّاقا بين دول المنطقة، بتشريع ألعاب القمار، ضمن ضوابط معينة، فإنه لم يستطع مواكبة الثورة الرقمية، لقوننة المراهنات التي تتم على الإنترنت، الأمر الذي حوّل “المراهنات الرقمية” إلى فوضى، تحرم الدولة من إمكانات مادية هائلة، لمصلحة بعض المتنفذين، الذين استطاعوا الولوج إلى هذا القطاع، والسيطرة عليه. فاجتاحت البلاد ظاهرة الرهانات على المباريات الرياضية، عبر مكاتب غير شرعية، ولكنها تحظى بحماية ما يعرف بـ”مافيا السياسة والمال”.

وبات معروفا أن في لبنان وكلاء مخفيين، قد تتغاضى عنهم السلطات، أو لا يمكنها الوصول إليهم، بسبب قدرتهم على الدخول إلى شبكات الإنترنت الخارجية، بطرقهم الخاصة، وبالتالي الدخول إلى مواقع الألعاب، ودفع مبالغ مراهنات كبيرة.

ويوضح جاد غاريوس، مالك شركة “onlive support services”، المتخصصة بالمراهنات عبر الإنترنت، أن الرياضة باتت إحدى أكثر أنواع المراهنات شيوعا وانتشارا في لبنان. لافتا إلى أنه لا يوجد تنظيم قانوني واضح، نظرا لغياب التشريعات البرلمانية، الأمر الذي ترك السوق اللبنانية متاحة لمن يشاء من المواقع العالمية، للوصول إلى العملاء فيها، الذين بدورهم يستطيعون الدخول إلى المواقع الأجنبية، وهو أمر يؤدي إلى خسارة لبنان ملايين الدولارات.

وأشار إلى أن الدولة اللبنانية حاولت عام 2012 أن تحظر تلك المواقع، وأن توقف كل مشغليها المحليين، لكنها لم تفلح، بسبب معارضة لاعبي البوكر اللبنانيين، ومحبي المراهنات الرياضية.

من جانبه، يشير المستشار في الإعلام الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي، بشير التغريني، إلى أنه بحكم عدم وجود قوانين في لبنان، تتيح للراغبين الولوج إلى مواقع الرهانات، كانت المصارف اللبنانية تحظر التحويلات المصرفية إلى تلك المواقع، الأمر الذي أدى إلى ظهور أطراف ثالثة وسيطة، تقوم بالمهمة، إضافة إلى بروز ظاهرة التحايل على البطاقات المصرفية، للمراهنة عبر الإنترنت.

ولفت إلى أن بعض المصارف كانت على علم بالأمر، ولكنها كانت تغضّ النظر عن استخدام زبائنها للبطاقات لهذا الغرض، فيما بعضها الآخر كان أكثر تشددا وفقا للقوانين اللبنانية، ولكن اليوم بات من المستحيل استخدام البطاقة المصرفية للدخول إلى مواقع المراهنة، بسبب وضع المصارف من جهة، وتشدد الدولة من جهة أخرى، وبالتالي صار على المراهنين أن يقصدوا وسيطا لديه اشتراك في تلك المواقع، والدفع له نقدا، لإنشاء حساب جديد، يتيح لهم المشاركة في ألعاب المراهنات المتعددة.

هل التجربة في الدول الغربية، السابقة للبنان كثيرا في المجال، أفضل؟

تاريخ الرهانات: كيف صارت المقامرة ضرورية للرياضة؟

يُرجع المؤرخون الانطلاقة الرسمية للمراهنات الرياضية، بشكلها الحالي، للقرن الثامن عشر، حين كانت المراهنة منصّبة بشكلٍ كبير على سباقات الخيول، التي حظت بشعبية كبيرة.

بدأت المقامرة على الخيول في المملكة المتحدة، خلال القرن الثامن عشر، في الأزقة والأماكن المغلقة، وقد اكتسبت حضورا ثقافيا قويا. وساعد تأسيس نادي الجوكي عام 1750، في وضع القواعد والقوانين التي تحكم سباقات الخيل، والتي شملت أيضا ضبط وتنظيم أساليب الرهان.

بحلول القرن العشرين أصبحت المراهنات الرياضية صناعة، تقوم عليها اقتصادات مدن كبرى، وربما دول بأكملها، مثل مدينة لاس فيغاس الأميركية، التي مثّلت أرباح المراهنات الرياضية في الكازينوهات، المصدر الرئيسي لاقتصادها.

لكن مع التزايد الفج لتأثير المراهنات على الرياضات، وعلى لاعبيها، ومع تزايد قضايا الفساد، التي ضربت الرياضة بسببها، فرضت عليها الدول الكبرى قيودا، إما تمنعها تماما، أو تنظّم ممارستها. ووفقا لموقع “American gaming”، أدى تقنين المراهنات الرياضية في الولايات المتحدة الأميركية، إلى إثراء الاقتصاد المحلى بنحو 22 مليار دولار، وخلق مئات آلاف فرص العمل.

علاوةٍ على ذلك، أدى توفّر بيانات وإحصاءات المراهنات الرياضية، إلى ظهور تقنيات وتطبيقات مبتكرة في صناعة الرياضة، إذ أصبح تحليل البيانات والنمذجة التنبؤية، التي تغذيها ثروة المعلومات الناتجة عن المراهنات الرياضية، أدوات لا تقدر بثمن، للفرق والمدربين في وضع الاستراتيجيات، واستكشاف اللاعبين، وتحسين الأداء. يمكن لهذه التطورات التكنولوجية أن توفّر ميزة تنافسية، وتحسّن جودة المسابقات الرياضية.

ولكن بعيدا عن الاقتصاد وحساباته، ما الأبعاد النفسية والاجتماعية للمراهنات الرياضية؟

الشغف المدمن: ما مدى ضرر المراهنات الرياضية؟

دعنا نجاوب على السؤال أعلاه بسؤال آخر: ماذا لو كانت حياتك متوقفة على ركلة كرة، من لاعب لم يسمع بوجودك في هذه الحياة من الأساس؟ أو على ضربة من مضرب روجر فيدرر، في إحدى بطولات التنس؟ ماذا إذا كان كل ما تملكه في الحياة هو أملٌ على لاعب ما في رياضة ما؟ لا حل أمامك إلا أن تقامر وتقامر، حتى آخر رمق.

ازدادت المراهنات الرياضية عبر الإنترنت في عديد من البلدان، خلال السنوات القليلة الماضية، إذ ساهمت المراهنات بحوالي 45% من حصة سوق المقامرة الافتراضي. كما توسّعت منصات المراهنة الرياضية (تطبيقات الهاتف المحمول، المواقع، المنتديات، الخ)، وأتاحت الفرصة لتطوير عديد من خيارات المقامرة المختلفة.

لكن هذا التوسّع السريع للمراهنات الرياضية عبر الإنترنت، وسهولة الوصول إليها على مدار الساعة، طوال أيام الأسبوع، والقيمة العاطفية والثقافية للرياضة، تزيد من احتمالات مخاطر المقامرة وأضرارها. خاصة ما يُعرف بـ”إدمان المراهنة الرياضية”، وهو اضطراب سلوكي، يتسم بالرغبة المستمرة، التي لا يمكن السيطرة عليها، في المراهنة على الألعاب الرياضية، على الرغم من النتائج السلبية.

وفقًا للأطباء، تحفّز المقامرة نظام المكافأة في الدماغ، بطريقة مماثلة لما تفعله المواد الكيميائية. والرهان المفرط على الرياضة هو نمط سلوكي قهري، يمكن أن يؤدي إلى مشاكل، تتعلق بالصحة العقلية والمالية والاجتماعية، وغيرها من المشاكل الشخصية.

وفي حين يمكن للكثيرين المراهنة على الألعاب الرياضية بشكل عرضي، وبدون تداعيات، إلا أن بعض الأفراد المهووسين بالرياضة، والمقامرين عليها بشكل مفرط، يصبحون أكثر عرضة لمخاطر الإدمان.

يعاني الأشخاص المدمنون من فقدان السيطرة، ويواجهون صعوبات في إيقاف سلوك المقامرة أو تقليله، وغالبا ما ينفقون مبالغ زائدة من المال، دون أي مبرر، ويتجاهلون المسؤوليات الأخرى في حياتهم. في حين أنهم قد يدركون أن أفعالهم ضارة بأنفسهم وبالآخرين.

يخبرنا المختصون أيضا أن إدمان المراهنات الرياضية يمكن أن يؤدي إلى الإضرار بالصحة الجسدية والنفسية. وقد يعاني المدمنون من أمراض مرتبطة بالتوتر، مثل ارتفاع ضغط الدم والاكتئاب والقلق. إضافة إلى ذلك، يمكن أن تسبب المراهنة الرياضية والمقامرة تقلبات مزاجية خطيرة، اعتمادا على النتيجة.

ونظرا لأن المراهنة الرياضية تنشّط نظام المكافأة في الدماغ، تماما مثل المواد الكيميائية، كما ذكرنا مسبقا، فإن إدمان المراهنة الرياضية يمكن أن يزيد من تعاطي الشخص للمخدرات والكحول. كما يمكن أن يؤدي إلى معاناة عاطفية ونفسية شديدة. ففي في عام 2020، كان هناك 5.7 مليون أمريكي يعانون من اضطراب القمار، وذلك وفقا لمسح وطني، أجرته “الرابطة الوطنية لمسؤولي خدمات المقامرة المضطربة”.

يرى جون هولدن، وهو أستاذ مشارك في الإدارة في جامعة ولاية أوكلاهوما، يدرس تنظيم المقامرة الرياضية، أن السبب وراء هذا العدد المهول والمتزايد من مصابي اضطراب القمار، هو ما فعلته الدولة من تقنين هذه المراهنات، وإزالة القيود عنها، مشيرا إلى أن المتضرر الأول هو المجتمع، وليست الرياضات فقط.

يبدو الموضوع شديد الإشكالية، بين مؤيد للمراهنات، نظرا لفوائدها الاقتصادية والرياضية، وأهميتها العاطفية لكثيرين؛ وبين رافض لها بفوة، بسبب مخاطرها النفسية والاجتماعية، وارتباطها بعوالم الفساد واقتصاديات الظل.

 ولكن على أرض الواقع، ما أحوال المراهنين المحترفين؟ وإلى أي مدى “يفسدون” اللعبة؟

أبطال المراهنة: قامر على كرة القدم ولن تخسر!

المراهنة تبدو سهلة المنال، يكفيك أن تكون قارئا جيد لنتائج للمباريات، وأن تتكئ على حسن الطالع، وهو أمر يسير على محبي اللعبة الأكثر شغفا. أخذت كرة القدم المراهنات الرياضية لمستوى غير مسبوق، فبعض روادها يمتلك ملايين الدولارات، وآخرون يبحثون عن قليل من المال لسد رمقهم.

اللافت في المراهنات دقة التفاصيل المطلوب توقعها من المقامر، مثل تحديد البطاقات الصفراء والحمراء، ومن سيسجّل أولا، ومن سيشارك من اللاعبين الاحتياط، وعدد ركلات الجزاء التي ستحتسب، وغيرها من الرهانات طويلة الأمد، مثل تحديد بطل الدوري.

شهد عام 2016 أغرب رهان عرفته المقامرة الرياضية منذ بدايتها، وهو رهان أحد المواطنين الإنجليز على فوز فريق “ليستر سيتي” بالدوري الإنجليزي، مع أن توقعات تحقيق الفريق للدوري كانت 1 من 5000 توقع، والغريب هو أن رفقاء “جيم فاردي” فازوا باللقب، وفاز معهم ذاك المواطن بمبلغ 72 ألف جنيها إسترلينيا.

في أوروبا للصنعة بارونات، فازوا بالملايين جراء المقامرات، من بينهم “ماثيو بنهام” الذي جمع ثروة طائلة من المراهنات على مباريات كرة القدم، بعد أن دخل مجال اللعبة عام 2001، ثم صارّ مالكا لنادي “برينتفورد” الإنجليزي. وذلك بعد أن أسس شركة “Smartodd”  لتحليل البيانات، وتقديم الاستشارات للمقامرين في كرة القدم، وفيها عشرات التطبيقات، التي تدّعي الموثوقية، مثل “Sky BET” و “BET 365” وغيرها الكثير، وتضم ملايين المشتركين.

أغرى هذا التطور، الذي وصلت إليه اللعبة، عددا من لاعبي كرة القدم أنفسهم، لدخول تلك السوق، إما بالمراهنة مثل الأشخاص العاديين، أو، وهو الأكثر فداحة، التأثير في نتائج المباريات.

اتهمت تقارير صحفية، مطلع العام المنصرم 2023، قائد نادي أرسنال الإنجليزي، الألباني جرانيت تشاكا، بتعمّده الحصول على بطاقة صفراء في إحدى المباريات، بعد ضغط من المافيا الألبانية، خاصةً وأن الرهان على تلقيه تلك البطاقة وصل إلى 52 ألف جنيها إسترلينيا، تُدفع بالعملات المشفرة.

لاعب نيوكاسل الإنجليزي الحالي  كيران تريبير، كان قد سرّب خبر انتقاله العام الماضي، من فريق أتلتيكو مدريد الإسباني، على مجموعات الدردشة على تطبيق “واتساب”، مما أشعل سوق المراهنات.

كل هذه التفاصيل المعقدة في السوق الغربي، تجعل من سوق المراهنات العربي الحالي، رغم اتساعه، بدائيا إلى حد ما، وقد يتعرّض المراهنون العرب إلى كثير من الخداع أو الخيبات، نتيجة عدم اطلاعهم الكافي على تطورات السوق، وكذلك عدم وجود أطر وبيانات وقوانين، تمكّنهم أن يمارسوا هوايتهم بالاسترشاد بها.

رغم كل هذا يبقى هوس الرياضة والمراهنة شاغلا للآلاف من أهالي منطقتنا، ربما لأن الرياضة نفسها، والطموح للنجاح وتحقيق الذات، هما نوع من المقامرة. إنها مقامرة بالعاطفة والانفعال والهوية والمصير أساسا، ولا يوجد ما هو أكثر من هذه الأمور تداخلا في صميم تجربتنا الحياتية.

بالعودة إلى “الحريف”، يسأل “رزق”، مُتعهد المباريات، في نهاية الفيلم، فارسا عن سبب عودته للملعب، رغم أنه وجد وظيفة، تدرّ له دخلا جيدا،  فيرد أنه جاء ليراهن على نفسه للمرة الأخيرة. جاء ليراهن على “الحريف”.

ربما يمكننا ذكر أن فارسا كان محظوظا، لأنه وجد فرصة أخرى، قد تتيح له حياة كريمة، وبالرغم من ذلك أبى أن يغادر، دون أن يلعب لقاءَ وداعيا، يقامر فيه على نفسه للمرة الأخيرة. كم مرة قامرنا على أنفسنا بطرق مشابهة، وفي مختلف مجالات الحياة؟ وهل نكون محظوظين مثل فارس، الذي نال ترف تلك المقامرة، بعد أن امتلك ملجأ حياتيا آمنا يمكنه العودة إليه، مهما كانت نتائج المقامرة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
4.3 3 أصوات
تقييم المقالة
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات