هل ما يزال المُشاهدون يحتاجون إلى دراما تناقش قضايا النساء، أو تتحدث عن القهر الذي يتعرضن له؟ أم هذه الموضوعات باتت مملة، بعد التركيز عليها بكثافة مؤخرا، وتقديم كثير من الأعمال الفنية المخصصة فقط للنساء وحكاياتهن؟ أم ربما يكتسب العمل قيمته ومدى قبوله، عندما يقترب من هموم الجمهور، ويستطيع التدبّر في تفاصيل وسمات الشخصيات التي يعرضها؟

العالم العربي بدوره ليس بعيدا عن موجة الاهتمام العالمي بالقضايا النسوية، والحديث عن النساء وموقعهن داخل المجتمع، والتحيّز الذكوري ضدهن، كما في مسلسلات “إلا أنا”، و”ليه لأ”، و”زي القمر”. بعض هذه المحاولات يسقط في فخ الرتابة والخطابة والمباشرة والصُراخ في وجه الجمهور؛ وبعضها يتحوّل إلى درس محفوظ عن أهمية “المرأة” ومكانتها؛ فيما ينتهي عدد منها بالوقوع في فخ الوعظ المحافظ، وتحميل النساء مسؤولية جميع الأخطاء. وبالتالي فإنه لا يمكن فصل أي من تلك الأعمال عن الخطاب الأيديولوجي الذي تحمله، أو اعتبارها فنا للفن.

مسلسل “أعلى نسبة مشاهدة”، من تأليف سمر طاهر، وإخراج ياسمين أحمد كامل، عُرض مع انطلاق موسم دراما رمضان 2024، ونافس مجموعة كبيرة من المسلسلات المتنوّعة، في النصف الأول من الشهر، فاستطاع جذب المشاهدين، وتصدّرت أكثر من حلقة فيه التريند على منصة إكس (تويتر سابقا) وتيك توك؛ كما بات نجومه، سلمى أبو ضيف، وليلى زاهر، وانتصار، ومحمد محمود، موضوعا لنقاشات منصات التواصل. ورغم أن العمل يتناول علاقة السوشال ميديا بفئات مختلفة من المجتمع، و تزيينها للربح السريع، وهوس التريند بين كثيرين، إلا أن هذا الإطار العام يشمل داخله تفاصيل نسوية كثيرة، تصوّر ما تعانيه النساء في أوساط مجتمع “مؤثري” السوشال ميديا، من وصم، وتحكّم، وقهر، واعتداء.

الموضوع يبدو جديدا نوعا ما على الدراما العربية، وله أهميته في بلد مثل مصر، شهد قضايا مثل “فتيات تيك توك”، وملاحقة عديد من العاملات على السوشال ميديا. فهل قدّم معالجة ترتقي لأهمية وراهنية الموضوع؟ أم أن التطرّق لقضية من هذا النوع، في الشرط السياسي والثقافي المصري الراهن، سيؤدي حتما إلى “التواءات” في الحبكة والرسالة، مثيرة لاستغراب المشاهدين؟

البداية الواعدة: ما الذي يدفعنا إلى “نِسب المشاهدة”؟

اسم المسلسل، في حالة “أعلى نسبة مشاهدة”، بوابة رئيسية لدخول عالم الشخصيات، التي تدور في فلك “الترند”. قصته تتمحور حول شيماء، وهي فتاة رومانسية، تتمنى واقعا غير واقعها، تسكن في منطقة “الحطابة” في القاهرة، وهي حي شعبي يقع خلف “القلعة”. تقوم شيماء مع أختها بأداء غنائي عفوي، للترويح عن نفسها، إلا أن هذا الأداء يجعلها “التريند” على تيك توك، بدون أن تعرف، فقد قامت أختها نسمة، المهووسة بالترند، ببثه على الموقع، لتحقيق أمنيتها في الوصول إلى مليون متابع، وفي أن تصير نجمة في عالم السوشال ميديا. إلا أن الشهرة كلها جاءت لشيماء، ما يخلق بين الأختين حالة الصراع، تتطور فيما بعد، لتصل إلى مرحلة العداء.

تتحول شيماء، الفتاة الحالمة التي تحب “ابن الجيران” في صمت منذ سنوات، إلى نجمة على تيك توك، وتنهال عليها عروض الإعلانات، من متاجر بسيطة ومتوسطة، فيبدأ كره شقيقتها نسمة لها في النمو. كما تواجه شيماء عددا من المواقف، التي لا تستطيع التعامل معها، نتيجة نقص خبرتها؛ إضافة إلى تفكير أطراف أخرى، على رأسها شقيقتها الكبرى وزوجها، في استغلالها؛ كما تواجه منافسه من “تيك توكر” شعبية، تسلك أسلوب البلطجة، وممارسة أفعال غرائبية، لكي تحصد مشاهدات، وتحاول ترهيب شيماء بأكثر من طريقة.

تكتشف شيماء قوة التريند، بعد الحصول على أول مبلغ مالي من إعلان تقدمه، كما أن تعليقات الناس الإيجابية عنها، تشجّعها على الاستمرار، فهي تفتقد للحب في منزلها عامة، وكلمات الدعم، وكل  هذا يجعلها تشعر بالتقدير تجاه ذاتها، لأنها تدرك قيمتها، من خلال قدرتها على تسديد ديون والدتها، وتشعر أنه قد أصبح لها أخيرا دور فعّال في المنزل، بعد سنوات من التهميش.

ضمن هذا البناء الدرامي، جاوب السيناريو على سؤال شائع، حول أسباب اتجاه كثير من الأشخاص إلى منصات التواصل الاجتماعي، لصناعة مقاطع مصورة عن حياتهم، مترجما عبارة “نسب المشاهدة” إلى أكثر من معنى: معنى مادي (المبالغ التي بدأت شيماء في حصدها)؛ ومعنوي (وُلد من التفاعل وتعليقات الإعجاب والحب).

البداية واعدة جدا، فهل استمر المسلسل على هذا المنوال؟

لا زعيق: هل كان البحث عن “الأمان” مفيدا للمسلسل؟

في عام 2022 عُرض مسلسل “أمل فاتن حربي”، للكاتب ابراهيم عيسى، وإخراج ماندو العدل، ومن المفترض أنه كان يتناول قضية نسوية، تتعلق بامرأة ترغب في الطلاق من زوجها، ومدى تعقيد القوانين وصعوبتها، ولكن العمل صار مادة للسخرية و”الميمز” على مواقع التواصل الاجتماعي، نتيجة وقوعه في فخ الخطابة والمباشرة الشديدة، إضافة لإفراطه في البكائيات، وشيطنة الرجال بشكل سطحي. وتلك السخرية لم تأت من الرجال فقط، ولكن من نساء أيضا، إذ لم ينكر المنتقدون الظلم الواقع على النساء في المجتمع، ولكن انقسمت الاعتراضات بين التهكّم من الخطابية والمباشرة والشيطنة؛ ونقد الحبكة الضعيفة للعمل، بسبب اعتماده على النمطية والتحولات المفاجئة للشخصيات. ويبدو أن مسلسل “أعلى نسبة مشاهدة” حاول، في بدايته، تلافي كل هذا النواقص، وأن يعبّر عن “نسوية بلا صراخ”.

لم يقتصر المسلسل مثلا على عرض شر الذكور، فقد كان خط القهر، الناشئ عن الحالة الاقتصادية السيئة، أحد خطوطه الدرامية المهمة، عاكسا مدى تأثير الفقر على حالة النساء. لا يخلق السيناريو أبطالا وهميين، أو صعوبات من اللا شيء، بل كانت مواجهة الفقر في العمل الصراع الأول الذي يخوضه الأبطال: الأم، التي تحاول صناعة الطعام وبيعه، لكي توفّر أي مبلغ مالي لأسرتها؛ وشيماء، التي تنظر لجدران منزلها المتهالك، في أول مشهد لها، وتقارنها بما تراه خارج عالمها؛ وشقيقتها الكبرى آمال، التي تجلس في أول مشهد لها على الأرض، في حمام منزلها ذي المساحة الضيقة، لكي تغسل السجّاد، وتساعد  زوجها في المغسلة، مصدر رزق عائلتهما الوحيد. وهكذا كانت المشاهد الأولى، للشخصيات النسائية الرئيسية في العمل، تعبيرا عن الحالة الاقتصادية والاجتماعية السيئة.

هذه البداية تمهّد لتصرفات الشخصيات وتحركاتها فيما بعد، ففي واحد من مشاهد العمل المهمة، تتعرض آمال للضرب من زوجها، والطرد والطلاق، ورغم  ذلك ترفض إخبار والدها، وعندما تحكي لوالدتها، تحاول الأخيرة التستّر على الأمر، وكأنه لم يحدث، وذلك خوفا من العواقب الاقتصادية والاجتماعية للطلاق؛ وعندما جاء الزوج للتراجع عن الطلاق، لم ترفض آمال، وذلك في مشهد شديد الدلالة عن سهولة استغلال الزوج  للشرع، للتراجع عن الطلاق الشفهي ( قال المأذون في المشهد: بمجرد اللمس تعود زوجة لك). هكذا يمزج المسلسل بين المعاناة الاقتصادية، والمعاناة من القوانين الجائرة، فآمال، التي تشعر بمعاناة عائلتها، تدرك معنى أن تعود، مع طفلها، إلى منزل أهلها، الذين لا يستطيعون دفع إيجاره.

أما شيماء، فقد دفعها الاحتياج للمال إلى الوقوع فريسة الاستغلال الذكوري، فباتت واجهة لأغنية “مهرجان”، كل ما تفعله فيه التمايل بجسدها بدون موافقتها؛ ثم تقع فريسة لاستغلال ذكر آخر، يورطها في قضية تتعلق بتطبيق “مشبوه”، يستغلّ الفتيات جنسيا. وهكذا تتحول شيماء للعبة في يد الذكور: شاب يقنعها بحبه لأنها أصبحت “تريند”؛ وآخر يصنع من زواجها حدثا لكي يحصد مزيدا من المشاهدات.

وعلى الرغم من تركيز مخرجة العمل على العوامل الاقتصادية، إلا أن موضوع الفقر يبدو مفرّغا من مضمونه وسياقه العام، ويحاول الابتعاد عن التفسيرات السياسية قدر الإمكان، لكي يحفظ لنفسه مساحة أمان، ويتلافى اتهامات من نوع “تشويه سمعة مصر”، كما حدث مع أعمال أخرى، حاولت مناقشة الفقر في البلد.

ربما كان هذا النوع من التفكير في “الأمان” مؤثرا على كثير من مجريات الأحداث في المسلسل، ورسالته، إلا أن صانعيه لم يكتفوا بالابتعاد عن المضامين الإشكالية، بل اقتربوا، في نهايته، من تأييد الخطاب، الذي من المفترض أنهم يحاولون نقده، أو على الأقل الهروب منه.  

ترميم الأب: هل خطيئتنا عدم الامتثال للعنف؟

قالت أستاذة الصحافة في جامعة “أتاتورك” التركية، نكلا مورا، في بحثها عن جرائم “الشرف”، إن “مفهوم الجندر يلعب دورا واضحا في ترتيب البنية الاجتماعية، ويُلاحظ أن ترتيب المجتمعات يتم عادة وفق هيكلٍ أبوي، يعمل على أساس أن الرجال متفوقون. وتسود البنى الأبوية بشكلٍ عكسي مع المستوى الحضاري للمجتمع، خصوصا في المجتمعات التي تُمارس فيها الديانات التوحيدية. أما الإدراك الذي يعتبر الرجال بذرة والنساء تربة، فقد حوّل النساء إلى مجرد حاملات وحارسات لاستمرارية سلالة الإنسان، وحاملات لمفهوم الشرف“. كل ذلك يقع ذلك في إطار مفهوم “النظام الأبوي”، الذي يشير إلى علاقات القوة، التي تخضع في إطارها مصالح النساء لمصالح الرجال، وتتخذ هذه العلاقات صورا متعددة، تقوم أساسا على الجندر والفروق الجنسية البيولوجية، وذلك وفقا لكتاب “النسوية وما بعد النسوية”، للباحثة سارة جامبل.

عندما يعرف والد شيماء بالمقاطع المصورة التي تقوم بنشرها، لا يتفاهم معها، بل ينهال عليها ضربا، ويعتبر ما فعلته فضيحة كبرى، ويقرر التخلّص منها عبر تزويجها، حتى تلتصق أفعالها بزوجها وليس به. والدلالة المرجعية لهذا التصرف كون المرأة غير مسؤولة عن تصرفاتها، الأب أو الأخ أو الزوج مسؤول عنها. ويأتي هذا المعنى على لسان جَدة: “السُترة ليها أحسن، صحيح منعرفش العريس ولا أخلاقه، لكن مع الوقت هنعرف… المهم إنها اتسترت، وبقت في عصمة راجل، هو بقى مسؤول عنها وعن تصرفاتها“. يقترن مفهوم “الستر” بالزواج، ويقترن فعل “الفضيحة” بالفتاة، في ثنائيات مترادفة، وينبع كل هذا من مفهوم “الشرف”: “المرأة هي شرف أسرتها”.

الجميع كان يتحدث، في بداية المسلسل، من منطلق شخصيته الخاصة، وتركيبته الاجتماعية: الجَدة تحمل فكرة “المرأة شرف أسرتها”؛ والأب يفكّر في الراحة من حِمل بنته الثقيل؛ والأم تحاول استرضاء زوجها بالموافقة على قراراته. ولكن، وفي الوقت نفسه، الأب ليس شيطانا، أو شخصية سطحية، وإنما يظهر في كثير من المواقف رجلا حنون، يحب بناته، ويريد توفير حياة كريمة لهن، لكنه لا يجد عملا مناسبا، وبالتالي هذا الأب الغليظ، هو أحيانا رجل يحمل في قلبه الحب، مما يجعل المشاهد في حالة تفهّم لكل الأطراف، ويثير الفضول حول تفاصيل كل شخصية، وتساؤلات عن اختلاف مفهوم الحب بين الأب والأبناء، ومن سيُقدّم ما تحتاجه الفتيات فعلا، وهذا يساعد  في تكوين حالة من التلقي الإيجابي بين المٌشاهد والعمل، وهو تلقٍ ينعكس على القضية المطروحة، ويخلّصها من الطرح الزاعق والمباشر.

إلا أن هذا الأسلوب لم يستمر حتى النهاية، بل انقلب المسلسل على نفسه، وأدان الفتاة، وجعل من الأب (الذي هو نموذج مصغّر للنظام الأبوي كله، بشكله المجتمعي والسياسي) الملجأ والأمان، والخروج عليه يؤدي إلى كوارث. ووُظفت أدوات الصورة والصوت لخدمة هذه الفكرة، إذ تسترجع شيماء لحظات الحب، التي قدمها لها والدها في بيتها الفقير، مع صوت غنائي مؤثّر: “يغور كل دا لو التمن قلة رضا، يا بويا كنت منعتني، حلمي اللي كان بيشدني خلاني أسيب جنة رضاك“. فيقع العمل في هذه اللحظة في إدانة نفسه، مناقضا كل الطرح الذي قدمه على مدار حلقات، وكأن الأحلام والتجارب غير مشروعة؛ وثمن الخروج عن السياق الأبوي نهايته وخيمة بالتأكيد؛ بل إن الفقر، والقناعة به، هو الاختيار الأفضل؛ والضرب والإساءة، التي تلقتهما شيماء من أبيها، كانت لصالحها في النهاية. بل وتتمنى الشخصية نفسها هذا الأمر، على لسان المٌغنية، التي تصاحب الأحداث: “يا بويا كنت منعتني”، وذلك في لحظات ندم شيماء داخل محبسها.

لقد لاقت مصير “فتيات تيك توك”، لماذا لم تلتزم بصوت الأب، وتخضع جيدا لصفعاته؟

الجسد المؤلم: لماذا تخشى النساء وحدهن الفضيحة؟

ظهر “تريند” منذ فترة، باسم “صاحبة الفستان الأزرق”، قام على أساس تسجيل لفتاة، ترقص في زفاف صديقتها، بينما جميع الحاضرين يقفون سعداء ويصفقون، ولكن فجأة أصبح مقطع  الفيديو منتشرا على تيك توك وفيسبوك، وبدأ الناس في التهجّم على الفتاة وإهانتها، لأنها تفعل ذلك أمام الجميع، رغم أنه من المعروف أن الرقص طقس شعبي مصري منذ القديم. إلا أن الناس على مواقع التواصل لها رأي آخر. من هذا الحادث استوحت المخرجة سمر طاهر موقفا مماثلا، في قصتها عن شيماء، ولكنها وَظّفته في سياق الأحداث، إذ دبّرت لها شقيقتها مكيدة، بدعوتها إلى حفل زفاف، وتصويرها وهي ترقص وسط الفتيات، ثم تُهددها بهذا التسجيل.

والسؤال هنا: لماذا تخشى الفتيات من “الفضيحة”، بينما، على الجانب الآخر، لم نر رجلا عُلقت له المشانق لأنه رقص في حفل زفاف، أو تم ابتزازه بصور شخصية. وعندما حدث ذلك مع المخرج المشهور خالد يوسف، وسُرّبت له مقاطع جنسية كاملة، لم يحدث له شيء، ولم يقطع أصدقاؤه علاقتهم به،، بل أخرج بعدها عملين مهمين، تم الترحيب بهما في الوسط الفني، ووقع الضرر كاملا على الفتيات، اللاتي ظهرن معه في المقاطع المُسرّبة.

تشرح المفكرة النسوية الشهيرة سيمون دو بوفوار هذا بشكل واضح، في كتابها “الجنس الآخر”، الذي كتب عنه كتب عنه المفكر فيليسيتي جوزيف مقالا بعنوان “آراء دو بوفوار في الجسد”، جاء فيه: “عندما يحدث التطور الجسدي للفتاة، فإن كل مرحلة تُختبر بوصفها صدمة، تميزها بحدة، أكثر فأكثر، عن الجنس الآخر، وخلال مرحلة نضج جسد الفتاة، يظهر المجتمع ردة فعل منذرة، وعنيفة بشكلٍ متزايد، وتسمى دو بوفوار هذه المرحلة بتحوّل الجسد، أي عملية يختبر المرء نفسه من خلالها بوصفه كائنا جنسيا، ويصبح جسده محلا لنظرة الآخر“. دو بوفوار نفسها تقول نصا: “تشعر الفتاة الصغيرة أن جسدها يهرب منها، في الشارع، يلاحقها الرجال بنظراتهم، ويعلقون على تكوينها، وهي ترغب أن تصبح غير مرئية؛ يخيفها أن تصير جسدا، وأن تُظهر جسدها“. وكل هذا يؤدي إلى تعزيز شعور الفتاة “أن الجسد الأنثوي كريه، مؤلم، محرج، مشكلة يجب حلها“. وجود النساء بحد ذاته، ببساطة، مشكلة.

في النهاية، تتدخل الدولة والقانون، ليكملا دور الأب المعنّف، ويحكما على شيماء بالسجن لمدة عام. والفتاة لا ترى نفسها مضطهدة، بل نادمة، تسعى للتوبة. هكذا تكتمل الدائرة، وتصبح رسالة المسلسل، على ما يبدو: كنَّ غير مرئيات أكثر فأكثر، اقبلن بالفقر والاعتداء الجسدي والأذى النفسي، وإلا فإن آباء كثر، أكبرهم الدولة، سيرجعنكن إلى مكانكن الطبيعي، وهو السجن، سواء كان سجنا فعليا أم اجتماعيا.
نعم، لم يقدم “أعلى نسبة مشاهدة” القضايا النسوية بشكل خطابي مبتذل، ولكنه قدم ما هو أسوأ، بشكل أكثر ابتذالا، ولذلك فربما من الأنسب القول إن الابتعاد عن قضايا النساء، في دراما عربية من هذا الطراز، أفضل للنساء والدراما معا. فلنبق في الموضوعات التقليدية للمسلسلات، فهي عَرَض تأقلمت أجسادنا معه. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
تقييم المقالة
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات