نسيان “الميري”: كيف تغيّرت ثقافتنا بعد فقداننا وظائف القطاع العام؟

نسيان “الميري”: كيف تغيّرت ثقافتنا بعد فقداننا وظائف القطاع العام؟

“إن فاتك الميري اتمرغ في ترابه”، يعكس هذا المثل الشعبي المصري طبيعة العلاقة الاجتماعية، التي شكّلت الوعي الجمعي منذ منتصف الخمسينات من القرن الماضي، عقب الوعود، التي حملتها سلطة 23 تموز/يوليو في مصر، حول كفالة حق التعليم المجاني، ثم التوظيف الحكومي، الأمر الذي يحقق راتبا شهريا، يسهم في حياة كريمة للموظف، ويضمن له تقاعدا مجزيا حين يبلغ سن التقاعد. استحق هذا “العقد الاجتماعي”، وعلاقات العمل الجديدة التي أتى بها، التقدير والعرفان، بل التقديس أيضا، الذي نجد أفضل تعبير عنه لدى نجيب محفوظ، في روايته “حضرة المحترم”، على لسان بطلها الموظف “عثمان بيومي”: “الوظيفة في تاريخ مصر مؤسسة مقدّسة كالمعبد، والموظّف المصري أقدم موظّف في تاريخ الحضارة. إن يكن المثل الأعلى في البلدان الأخرى محاربا أو سياسيا أو تاجرا أو صانعا أو بحّارا، فهو في مصر الموظف… ووادينا وادي الفلاحين الطيبين، يحنون الهامات نحو أرضٍ طيبة، ولكن رؤوسهم ترتفع في سلك الوظائف، حينذاك يتطلعون إلى فوق، إلى سلم الدرجات المتصاعد حتى أعتاب الآلهة في السماء… الوظيفة خدمة للناس، وحق للكفاءة، وواجبة للضمير الحي، وكبرياء للذات البشرية”.

تحمل هذه الكلمات إشارات كثيرة، ودلالات على أحلام وطموحات ذلك العصر، الذي لم ينظر أفراده إلى “الوظيفة الحكومية” بوصفها مجرّد عمل، بل آلية تحوّل، أو “رافعة اجتماعية”، أعطت إمكانية جديدة للهامات المنحنية بالتطلّع إلى فوق، واكتشف معانٍ جديدة عن “الحق” و”الكبرياء”، وتشكّل الذات، والشعور بالاحترام. وجميعها مكتسبات حظى بها “الموظّف الحكومي”.  

حين أصدر محفوظ روايته المذكورة عام 1975 كان قد أمضى ما يقارب سبعة وثلاثين عاما موظفا في وزارة المعارف المصرية، وربما تثير هذه المدة الطويلة من العمل لدى الحكومة استغراب الأجيال الجديدة، من مواليد التسعينات والعقد الأول من الألفية، التي وجدت أنفسها في ظروف وبيئة عمل مغايرين تماما. ولكن هكذا كانت حياة فئة عريضة من الناس، في عهد آبائهم وأجدادهم، الذين تأمنّت لهم ضمانات الاستقرار الاجتماعي والمعيشي، بما رافقه من تدرّج وظيفي، وما يصاحبه من زيادات في الراتب الشهري وعلاوات وحوافز، بجانب الامتيازات الوظيفية الأخرى، من تأمين صحي واجتماعي. كان كل هذا ضمن ما عُرف بـ”مكتسبات الطبقة العاملة”، وما يدعمها من جهات نقابية ولوائح تنظيمية، وقوانين تنظّم العلاقة بين العمال والشركات. وهو ما صنع مخيّلة العدالة والحق، ليس فقط في مصر والبلدان العربية، وإنما في العالم كله.

 إلا أن كل هذا أصبح جزءا من الماضي، وانقلبت الآية تماما، للدرجة التي جعلت رئيس الجمهورية المصرية يصرّح، خلال كلمته بوقائع اليوم الأول من “المؤتمر الاقتصادي” عام  2022: “أول قرار من سبع سنين، مفيش حد يتعين في الحكومة تاني”. بجانب مطالباته  للمصريين بنسيان “الميري”، أي العمل لدى الحكومة. هذه التغيرات ليست بالجديدة، فسياسات التحوّل الاقتصادي في مصر كان لها إرهاصات مبكّرة، بدأت في منتصف السبعينيات، إلا أن الانقلاب الرسمي والجاد حل ّمع بداية التسعينات (1)، ففي منتصف عام 1991 وقّعت مصر اتفاقيتين مع صندوق النقد الدولي، قامت الحكومة بعدهما بتهيئة المناخ التشريعي لإنفاذهما، فقد صدر القانون 203 لسنة 1991، الذي أُنشئ بموجبه  قطاع جديد، تحت مسمى “قطاع الأعمال العام”، وهو وسيط بين القطاعين العام والخاص، ويُستخدم جسرا لنقل مؤسسات وممتلكات القطاع العام إلى الخاص.

فرض هذا التوجّه الجديد مجموعة من التحولات الجذرية، التي سترسم ملامح مستقبل سوق العمل بالنسبة للأجيال الجديدة، فالشكل القديم للعمل، وما يحمله من قيم ومعانٍ، يحتضر، والبدائل الجديدة تمرّ بتقلبات وأزمات ومشاكل الأسواق، وتآكل مستوى المعيشة بفعل التضخّم المتكرر. ما يجعلنا نتساءل عن الكيفية التي تشكّلت بها معايير التوظيف والعمل الجديدة؟ وماذا تبقّى من منظور الحق والعدل والكرامة، الذي أسسته الوظيفة الحكومية؟ وهل يمكننا الحديث عن ذات مغايرة، نشأت مع سوق العمل الجديدة؟ هل يستطيع أبناء هذا الجيل تحقيق نسختهم الخاصة من “الكرامة” و”العدل”، على غرار “حضرة المحترم”، الذي أصبح من الماضي؟

خدمة سيئة: ماذا يشتغل المصريون اليوم؟

اهتمت الدولة الناصرية، على غرار بقية الدول القومية الناشئة، بالتعليم، باعتباره رافدا أساسيا لتخديم سوق العمل. وعلى هذا النحو جرى تعريف دور المدارس العامة على أنه “إعداد الطلاب للحراك الاجتماعي الصاعد”. في محاولة لخلق إطار جامع، يلعب التعليم ضمنه دورا محوريا في بناء الاقتصاد القومي، إلى أن حدث التحوّل جوهري في العقود اللاحقة، منذ إقرار سياسات الانفتاح الاقتصادي، تماشيا مع التوجّه العالمي الجديد، القائم على تحرير قوة العمل، وتنحية دور الدولة في الضبط والتحكّم، وتشجيع المشروعات الخاصة، والاختيارات الاستهلاكية، وتكافؤ المسؤولية الشخصية، والمبادرة الفردية في مجال المشروعات.

تزامن هذا التحوّل العالمي مع النمو الملحوظ في فيما عُرف بـ”الاقتصاد الخدمي” أو القطاع الثالث، والذي تضخّم في العقود الأخيرة، حتى استحوذ على ما يقارب 60٪ من الاقتصاد العالمي، ولكن إحدى الدراسات (2) تشير لاختلاف منطق وأسباب هذا التضخّم الخدماتي في السياق المصري، بدرجة تزيد عن نظائره في رأسماليات الدول المتقدّمة. فقد ورثت دولة 23 يوليو اقتصادا، تشكّل تكوينه القطاعي عام 1952/1953 من زراعة بلغت نسبتها 35.6٪، وقطاعات صناعة وتشييد وكهرباء بلغت حوالي 18٪، لتبقى نسبة 46٪ للخدمات، المُكوّنة من النقل والإسكان والتجارة وغيرها. ورغم المحاولات المستمرة لدفع التصنيع، إلا أن النتيجة كانت تجمّد النمو الصناعي خلال خمسة عقود، ليصل القطاع الخدمي مطلع الألفية إلى أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي، متراوحا ما بين 47.5٪ و 55.7٪ في عاميّ 2012 و2017. ما يجعل التضخّم الخدماتي في مصر مرضا تنمويا، لا تطوّرا اقتصاديا طبيعيا، تجوز مقارنته بمثيله في المراكز الرأسمالية المتقدمة.

يمكّننا هذا السياق من فهم المؤشرات التالية عن سوق العمل في مصر، والذي أصبح فيه القطاع الخاص (الرسمي وغير الرسمي) يستحوذ على 93.4٪ من العمالة، مقابل 6.6٪ للقطاع العام الحكومي (3) مع الأخذ في الاعتبار الفوارق الإقليمية، التي تُركّز أكثر من 50٪ من الناتج المحلي الإجمالي في القاهرة الكبرى والإسكندرية فقط، ما يجعل وصول سكان الأرياف للخدمات أقل عموما، كما يجعل متوسّط الأجور أقل في صعيد مصر، وبالتبعية تصبح معدلات الفقر أعلى (4)

يستقبل سوق العمل 850 ألف وافد سنويا، منهم 738 ألف خريج من التعليم العالي عام 2022، بزيادة قدرها 10٪ عن السنة السابقة (5)، ويتم توظيف 53٪ من خريجي الجامعات، الذين بلغ متوسط الأجر الشهري بينهم حوالي 4138 جنيها مصريا عام 2021، إلا أن 27.5٪ منهم أفادوا بأنهم يحصلون على 2000 جنيها فقط (وهو الحد الأدنى للأجور آنذاك) أو أقل (6) إضافة إلى كون نصف خريجي المدارس والمعاهد الفنية (تجارية وصناعية وزراعية) يعملون بأجر غير منتظم (7)، بينما يظل 47٪ عاطلين ويبحثون عن عمل. وهذا إن دل على شيء، فهو الافتراق النهائي بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، ما يعزز عدم الثقة والفشل العام، الذي يجعل أكثر من ربع الشباب (27٪) لا يلتحقون بالتعليم أو العمل، وهذا أعلى من المتوسط الإقليمي في جنوب شرق المتوسط. كما تزدهر البطالة بين الشباب الذكور، لتصل إلى 26.5٪، إلا أن النسبة تتضاعف بين النساء، لتصل إلى 53.4٪.

عموما ما تزال مشاركة النساء منخفضة في سوق العمل، بنسبة 20٪ من القوى العاملة (8)، وفي وظائف بدوام جزئي، أو وظائف غير مستقرة في الرعاية الصحية (يشغلن الجزء الأكبر من هذا القطاع بنسبة 67٪). وبسبب الأعراف والقيم الاجتماعية، ينحصر دور كثير من النساء في الوفاء بمسؤوليات الزواج وأعباء الرعاية الأخرى. كما يتضاعف اللجوء لهذا الدور في ظلّ السياسات التقشّفية (9)، والخصخصة المتزايدة للخدمات الأساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية، بسبب عدم قدرة الأسر ذات الدخل المحدود والمتوسط الوصول إلى عديد من الخدمات، وبالتالي تلقي الضغوطات المعيشية بثقلها على النساء، اللواتي يمارسن عملا منزليا مجانيا، يلزمهن بالاعتناء بالمرضى والمسنّين والأطفال، نظرا لتضاؤل خيارات الرعاية ميسورة التكلفة، مثل مراكز الرعاية الصحية ودور المسنّين والحضانات.

معظم المصريين إذن يعملون إذا في وظائف سيئة، تقدّم خدمات سيئة، وهذا له كثير من الانعكاسات الثقافية والاجتماعية والسياسية.

ثقافات القنانة: ما “الذات” التي يجب أن نطوّرها دوما؟

تغيرت المنظورات الثقافية في مصر بشكل كبير، باتت حكايات الآباء عن وظيفتهم، التي قضوا فيها عقدا أو اثنين من الزمن على أقل تقدير، أشبه بذكرى مثيرة للسخرية أو الحنين، في وقت يُعتبر من يمكث في وظيفته لمدة خمسة أعوام ناجحا بشكل استثنائي. تغيّرت أيضا معايير التوظيف، كان هناك من قبل، رغم كل المحسوبيات، حد أدنى من التخطيط الاجتماعي، الذي وفّر إمكانية الوصول لوسائل عيش حياة كريمة، من خلال صياغة مسارات للتعليم ومن ثم العمل، ولذلك أثره الاجتماعي، المتمثّل في قيم الاستقرار وبناء الأسر واستمرار مقومات بقائها؛ أما اليوم فأصبح ذلك كله في يد صاحب الشركة، وما يعتبره مؤهلات العمل، بل أصبح “التوظيف” نفسه تجارة، من خلال شركات ومؤسسات وتطبيقات إلكترونية، توفّر العمالة المناسبة لكل شركة أو قطاع على حدة، وتفرض على المتقدّم للوظيفة “عمولة”، أو نسبة من الراتب، لمدة شهور محددة.

اختلفت الوعود التي ينتظرها الجيل الحالي تماما، وبات الحفاظ على الوظيفة صعبا للغاية، ناهيك عن إيجادها بالأصل. ولكن بافتراض التوفيق في الحصول على وظيفة براتب مناسب، فالموظف أو العامل يعيش منافسة شرسة مع زملاء العمل، وأيضا يترقّب برعب انتهاء عقده، وإمكانية إلغاء تجديده السنوي، طالما يؤمّن السوق آلاف الخريجين الجدد. أصبحت الاستمرارية استثناءً وليست القاعدة، وبدلا منها حلت “المرونة”، والتنقّل الدائم، وضرورة التأقلم والاعتياد على هذا الوضع، الذي يختزل كل أسباب الفشل في “عدم وجود خطة بديلة”.

الشيء الأكيد أن الوظيفة لم تعُد تضمن أي شيء، خصوصا بعدما أصبح كل شيء خاضعا للتقييم والاختبار، في وقت لم تعُد سنوات التعليم أو الشهادات العليا تشفع لأحد، وعلى الفرد أن يطوّر دوما من نفسه، عبر إدمان “كورسات النجاح”، التي تحفّز شغفه (Passion) وتجعله يتطلّع دوما للعمل، وهو يردد: “سأعمل لمدة ١٢ ساعة يوميا، سأحقق المستهدف (Target)، سأصبح يوما ما مثل ستيف جوبز”.

وعلى هذا النمط نجد مئات الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، يمارس أبطالها هواية “القفز على الظروف” لتحقيق أهدافهم، ويرددون الجملة الشهيرة، المنسوبة إلى رجل العصابات المكسيكي بابلو اسكوبار: “لا أحد أصبح غنيا بالعمل من الثامنة صباحا إلى الخامسة مساء”، من باب التهكم على الآخرين، الذين ما يزالون رهائن العمل المأجور، بينما في الواقع، تعمل الأغلبية في مصر ساعات أكثر من المحدد قانونا، ومن الطبيعي أن تجد من يعمل في وظيفتين، وكثيرا ممن يعملون وهم ما زالوا طلابا، ورغم ذلك لم تتحسن أحوالهم، وهم يحاولون مواكبة الظروف، إضافة للقفز عليها.

ربما ما يلخص حال سوق العمل في مصر، رؤية محمد فاروق عبد المنعم، أحد رجال الأعمال المصريين (10) الذي يقول إنه قام بتصفية استثماراته في ألمانيا، لأن “العمال هناك يرتكبون مصائب”، ويقصد بـ”المصائب” أنه لا يستطيع أن يطلب منهم العمل في أيام العطلات، كما يعجز عن جعل يوم العمل أطول ساعة أو اثنتين، بينما في مصر، وعلى حد قوله، “الناس طيبين ومتعاونين”، ويرضون بأكثر من ذلك، وبصدر رحب. تعكس هذه “الطيبة” حالة الـ”لا حول ولا قوة”، التي تطبّع بها العاملون والموظفون، والتي تجعلهم عرضة للشراء بدلا من التوظيف، بلا أجور عادلة أو ساعات عمل محددة، وفي غياب تام للجهات المسؤولة عن العمّال، ومصادرة ومنع كل ما يربط العاملين معا، سواء بشكل نقابي أو اجتماعي، مما يترك العمال في وضع يُسهّل استغلالهم من ناحية؛ ويطبّع هذا الاستغلال اجتماعيا وثقافيا من ناحية أخرى، وتمريره من خلال صفات مثل “العمال الطيبون”، أو العمال الغلابة”، المغايرين للعمال الأوروبيين غير الطيبين، الذين يرتكبون المصائب.

نتحدث إذن عن ذات قلقة، مليئة بالمخاوف، أقرب للخنوع، ومستعدة لتصديق مختلف أنواع الخرافات، معزولة وتشعر بالحقد تجاه المنافسين، فيما لا تستطيع أن توجّه غضبها تجاه من يستغلّها، ومتعودة على كل أشكال التفاوت واللامساواة الاجتماعية. وكأننا نفتح كتابا تاريخيا عن صفات الفلاحين في عصر القنانة. يُذكّر هذا بحديث عدد من المفكرين المعاصرين عن أن الرأسمالية تبدو اليوم أقرب لـ”إقطاعية جديدة”، فما بالك بتجسّداتها في مصر.   

البطل الاستثنائي: هل يمكن لـ”رائد الأعمال” الحفاظ على السلام الاجتماعي؟

خلصت دراسة صادرة مؤخرا (11)، إلى ارتفاع نسبة الفقراء بين العاملين في الحكومة، من 13٪ في عامي 2010-2011 إلى 19٪ في عامي 2017-2018. وارتفعت نسبة الفقراء بين عمّال القطاع الخاص في المنشآت، من 22٪ إلى 28.5٪ في الفترة نفسها، بينما ارتفعت نسبة الفقراء بين العاملين في القطاع الخاص خارج المنشآت، من 33٪ إلى 43.1٪.

لا تعاني العمالة المصرية فقط من سوء النموذج الذي يحدد مسارها المعيشي، بل تقع أيضا ضحية ما يستجدّ من أزمات اقتصادية، تؤدي لتآكل مستوى حياتها، المتدني بالأساس، إذ تجعل معدلات التضخّم غير المسبوقة الطبقات الأفقر تجري وراء زيادة الأسعار الهستيرية، والتي لا تتوافق مع مستوى الأجور؛ كما تتأثّر بشكل مباشر بالكوارث العالمية، مثل الإغلاق الشامل وقت جائحة كورونا؛ وزيادة أسعار الغذاء، بعد توقّف سلاسل الإمداد إبان الحرب الروسية-الأوكرانية؛ وارتفاع معدل الفائدة الأميركية، الذي زاد فوائد الديون، لدرجة باتت فيها تأكل نصف الميزانية العامة للدولة. إلا أن كل هذا لا يجعل من الأزمة حدثا واحدا، يواجهه الجميع بالتساوي، إنما توزّع أعباؤه بحسب اختلاف الهويات الاقتصادية، والمواقع الطبقية. هذا يعني أنه لا يوجد “شعب واحد” يواجه الأزمة، بل فئات وطوائف متعددة، تنظر إلى بعضها بعين النقمة.

بالعودة مرة أخرى إلى رواية نجيب محفوظ، نجد أن “حضرة المحترم” بات في الحالة المعاصرة “رائد الأعمال”، أو  Entrepreneur، كما في اللغة “العصرية”، الذي يستطيع أن يحقق الأرباح رغم الأزمة الهائلة. وهو  شخص استثنائي،  يحافظ دوما على هذه “الاستثنائية”، وكأنه بطل أحد أفلام السوبر هيرو الأميركية، فيما البقية هم “الفاشلون”، الذين لم يحققوا ما حققه، لمشكلة في أنفسهم وطموحهم ومواهبهم، أو لأن الحياة، بكل بساطة، اعتباطية وغير عادلة.

المشكلة في هذا الطرح أن “حضرة المحترم”، أي عماد ونموذج النظام الاجتماعي، كان فئة اجتماعية واسعة جدا، و”منفتحة” حقا، إذ يمكن لأي شخص أن ينضمّ لها بسهولة نسبيا، أيا كان أصله؛ فيما “حضرة المحترم” الجديد مجرد حالات فردية، لا تشكّل أي نسبة يُعتد بها من المجتمع.

كيف سيحافظ أي بلد في العالم على استقراره الاجتماعي، بدون وجود قاعدة سكّانية تُعتبر “صمام الأمان”؟ سؤال مهم وخطير، وربما باتت الإجابة عنه من أهم القضايا السياسية الراهنة.   

المصادر

(1) قراءة في دفاتر الخصخصة

(2) قطاع الخدمات في مصر

(3) دراسة المركز المصري للدراسات

(4) دراسة التشخيص القطري لمصر، البنك الأوروبي

(5) الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء

(6) مسح خريجي التعليم العالي ٢٠٢١ منظمة العمل الدولية

(7) دراسات وتحليلات سوق العمل المصري في نطاق هجرة اليد العاملة

(8) دراسة التشخيص القطري لمصر، البنك الأوروبي

(9) السياسات التقشفية وإقصاء المرأة من سوق العمل

(10) بودكاست يوتيوب

(11) عمال مصر تحت خط الفقر

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
4.8 4 أصوات
تقييم المقالة
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات