العمل المُحتَل: كيف عاش عمّال غزة تحت الاحتلال والمقاومة؟

العمل المُحتَل: كيف عاش عمّال غزة تحت الاحتلال والمقاومة؟

قبل عام من هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وما استتبعه من مذابح، ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في قطاع غزة، كشفت أرقام الجهاز المركزي للإحصاء في فلسطين أن معدل البطالة في قطاع غزة وصل حتى 45 بالمئة، بالمقارنة بـ13 بالمئة في الضفة الغربية؛ وأن عدد العاطلين عن العمل بلغ 367 ألف شخص، ما يزيد عن الثُلثين منهم من القطاع، بينما وصل معدل بطالة الشباب الخريجين إلى 73,9 بالمئة. ويعتبر البنك الدولي أن أرقام البطالة المُرتفعة تساهم بشكل مباشر في تعميم حالات الاكتئاب والقلق، بين ما يزيد عن 70 بالمئة من سكان غزة، و50 بالمئة من الضفة، حيث تربط معدلات الفقر المدقع والاضطرابات النفسية علاقة طردية.

بينما حذّر خبراء دوليون من أن استمرار الأوضاع المعيشية، فيما يخص العمل والسكن في غزة تحت الحصار، وتجدد المعارك حتى العام 2030، سوف يؤدي لانفجار ديموغرافي، وانهيار حاد في مستوى معيشة السكان، بما لا يمكن تعويضه، فمن المتوقع ان يصل عدد السكان في عام 2030 إلى 3 ملايين نسمة، الأمر الذي سيزيد من الظروف المعيشية الصعبة جدا في الوقت الحالي، إذ يعيش في غزة الآن 2.3 مليون نسمة، في مساحة لا تزيد عن 365 كلم مربعا، وتنفذ مساحات الأراضي غير المأهولة الصالحة للسكن، والقادرة على استيعاب سكان جدد، عاما بعد آخر، ولا يمكن توفير الكهرباء في تلك الأراضي لأكثر من نصف ساعات اليوم، وتصل أسعار التدفئة والوقود لمعدلات مرتفعة جدا، لا يقدر عليها محدودو الدخل.

وبحسب وكالة الأنباء الألمانية dpa، فإن الأجور في غزة متدنّية جدا، إذ يُطلب عمال بأجر 13 دولارا في الأسبوع، نظير دوام يومي 12 ساعة، أي أن الوظائف التقليدية في المحلات والمخابز والمطاعم ومحطات تعبئة البنزين في غزة، تفرض ساعات عمل طويلة جدا بأجور زهيدة جدا. وبعيدا عن معدلات البطالة والأجور الزهيدة للعاملين داخل غزة، فنسبة من العمال يتم توظيفهم للعمل في الداخل الإسرائيلي، أو في بلدات غلاف غزة. ففي العام 2022 منحت إسرائيل ما يقارب 18500 تصريحا للعمل في الداخل، أو في الضفة، من خلال المرور من حاجز بيت حانون (ايرز) الشمالي. هؤلاء العمال، الأكثر حظا في الحقيقة من نظرائهم العاملين داخل غزة، يتعرّضون لانتهاكات خطيرة من جانب سلطة الاحتلال، ولاستغلال لا يُطاق من جانب حركة حماس.

بعد أسابيع من هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، نشر مركز “بيسان للبحوث والانماء” تقريرا بعنوان “ورقة حقائق عن أوضاع العمال الغزيين داخل الخط الأخضر، بعد إعلان الحرب العدوانية على قطاع غزة”، يتحدث فيها عن أزمة 17000 عاملا داخل إسرائيل، تم إلغاء تصاريح عملهم، ووصف تواجدهم بـ”غير القانوني”. ثم تفاقمت المعاناة الإنسانية لهؤلاء العمال، وتعرّضوا لاستغلال أشد من أرباب العمل، والضرب والتهديد بالقتل والابتزاز، من خلال رفض منحهم أجورهم، وفي النهاية جرى اعتقال عدد منهم من قبل الشرطة الإسرائيلية، ونقل بعضهم لسجن “عوفر”، والبعض الآخر أرسل إلى مدن الضفة الغربية، بعد تجريده من ممتلكاته وملابسه، وتصويره بهذا الحال، وتم تداول هذه الفيديوهات على وسائل التواصل الإسرائيلية. وبعد أيام نقل اولئك العمال إلى غزة، بينما هي تتعرض لقصف شديد. ويقدّر المركز، حتى تاريخ نشر الورقة، بأن مصير سبعة آلاف عاملا ما يزال مجهولا.

أما فيما يخص بقية سكان القطاع، فقد أمّن اعتمادهم على مخزونات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، والمساعدات الأهلية، الإبقاء عليهم أحياء، طوال أكثر من خمسين يوما، من الحصار الجوي والبحري والبري، والقصف المتواصل ليل نهار، ولم تشفع أموال ضرائبهم، والحصص المُستقطعة من أجور العمال لصالح حماس، في تحمّل الحركة لأي مسؤولية سياسية واجتماعية تجاه مواطنيها المُفترضين.

بناء على كل تلك الوقائع يمكننا أن نتساءل: هل العمل في مثل هذه الظروف، أي تحت سلطة الاحتلال، ليس إلا شكلا من العنف الممنهج ضد البشر؟ وما بنى ذلك العنف؟ وما أوضاع العمّال تحت إدارة حماس، التي لم تتول أية مسئولية سياسية أو اجتماعية فعلية في إدارة القطاع وقت الحرب، رغم الضرائب المقتطعة من العمال والأشغال؟ وما احتمالات المستقبل، والبدائل؟

تحت الاحتلال: “الاحتياجات الاقتصادية” القاتلة

تُقدر الأمم المتحدة أن الحصار الإسرائيلي، المستمر منذ ستة عشر عاما على قطاع غزة، في الجو والبر والبحر، قد أدّى إلى نتائج كارثية، فيما يخص الاقتصاد، ومنع القوى العاملة من الوصول الي أسواق العمل والتجارة في الضفة الغربية، أو حتى الداخل الإسرائيلي، ما جعل 80 بالمئة من سكان القطاع يعتمدون على المساعدات الدولية بشكل أساسي، والـ20 بالمئة المتبقين يعتمدون على الاقتصاد المحلي الخاص، المتداعي أصلا منذ جائحة كورونا، إذ هبط معدل النمو في 2022 بمقدار 11.7 بالمئة أقل من مقاييس العام 2019، ليُحقق الاقتصاد المحلي اتجاها هابطا مؤكدا منذ عام 2006، حين تراجع معدل النمو GDP، وانكمش بمقدار 37 بالمئة. هذا التراجع في النمو، والهبوط في مستوى المعيشة، يعود بشكل أساسي إلى الحصار الاقتصادي الخانق، والمانع لدخول جميع المواد الخام والماكينات والسلع الصحية، وغيرها من مدخلات الإنتاج.

 الضعف المُحقق في الاقتصاد الحقيقي يترافق مع غياب عُملة محلية قوية، والاعتماد على “الشيكل” الإسرائيلي القوي، الذي يُفقد السلع المحلية تنافسيتها، وفي الوقت نفسه يجعل تصديرها إلى خارج فلسطين، والمنافسة في منطقة أخرى، غير ممكن من الأساس. وتآكل الاقتصاد يأتي مع احتمالية تجدد المعارك، وخسارة أصحاب الأعمال ممتلكاتهم ورؤوس أموالهم وأراضيهم، وعدم إمكانية تعويض الهالك منها بعد كل أزمة كبيرة. أيضاً يخبرنا التقرير أن السلطة الفلسطينية ككل، كانت تعتمد بالأساس، وبمقدار الرُبع من موازنتها، على التبرُّعات الخارجية، في سبيل تخفيف قيود الاحتلال على الاقتصاد، هذا المقدار في العام 2008  كان 2 مليار دولار، بينما وصل في عام 2022 الي 550 مليون دولار فقط. ويخلص تقرير البنك الدولي للعام 2022 إلى أن الحياة في غزة تعني احتمالية الفقر بنسبة 65%، واحتمالية الخروج من سوق العمل بنسبة 41%.

هذه الظروف المحيطة بالاقتصاد الفلسطيني، والغزي تحديدا، تُعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي، الذي يُعطي توصيات واضحة لأي دولة احتلال، بحماية حقوق وسبل عيش سكان الأراضي المُحتلة، حتى يتمكنوا من تلبية معيشتهم. ويحظر القانون الدولي استهداف المُنشآت المدنية، الاقتصادية والإنتاجية، لأنها تضرّ إمكانيات العمل، وتوفير دخل مناسب لتغطية تكاليف الحياة، من مأكل وملبس ومسكن ورعاية صحية، وفي حال اضطرت دولة الاحتلال لفرض قيود خاصة على الحركة والتنقّل والتجارة والعمل، وجب عليها أن تتكفل بإعالة الرعايا تحت سلطتها، كما نصّت الفقرة الثانية من المادة (39) في اتفاقية جنيف الرابعة: “إذا فرض أحد أطراف النزاع على شخص محمي تدابير مراقبة، من شأنها أن تجعله غير قادر على إعالة نفسه، وبخاصة إذا كان هذا الشخص غير قادر لأسباب أمنية على إيجاد عمل مُكسب بشروط معقولة، وجب على طرف النزاع المذكور أن يتكفّل باحتياجاته، واحتياجات الأشخاص الذين يعولهم”.

وفيما يخصّ العمال الخاضعين لسلطة احتلال، أتت المادة (40) لتقرر :” لا يجوز إرغام الأشخاص المحميين على العمل، إلا بكيفية مماثلة لما يُتبع مع رعايا طرف النزاع الذين يوجدون في أراضيه. لا يجوز إرغام الأشخاص المحميين، إذا كانوا من جنسية الخصم، إلا على الأعمال اللازمة عادة لتأمين تغذية البشر، وإيوائهم وملبسهم ونقلهم وصحتهم، دون أن تكون لها علاقة مباشرة بسير العمليات الحربية. في الحالات المذكورة في الفقرتين السابقتين، ينتفع الأشخاص المحميون، الذين يرغمون على العمل، بنفس شروط العمل وتدابير الحماية، التي تُكفل للعمال الوطنيين، وبخاصة فيما يتعلق بالراتب، وساعات العمل، والملبس وتجهيزات الوقاية، والتدريب السابق، والتعويض عن حوادث العمل والأمراض المهنية”.

لا تعبأ إسرائيل بالقانون الدولي، ولا بتوصيات الأمم المتحدة فيما يخص العمل، ما أدى الي انهيار الاقتصاد المحلي في غزة، وخروج أغلبية قوته العاملة من السوق، لكنها في نهاية العام 2021 سمحت لوزارة العمل في غزة بفتح باب التسجيل للراغبين في العمل داخل الخط الأخضر في المدن والقرى الإسرائيلية، وخلال بضعة شهور وصل عدد المُسجلين للحصول على تصاريح عمل إلى 150 ألف مواطن غزي، فيما تحصًّل على التصاريح فعلا 18 ألف عامل، فيما يُعرف باسم تصاريح “احتياجات اقتصادية”.

يرصد “مركز الميزان لحقوق الانسان”، في تقريره “حقوق في مهب الريح”، واقع عمال غزة داخل إسرائيل، مؤكدا غياب أية حقوق للعمال الغزيين، وحرمانهم من أي حماية اجتماعية، أو تأمين صحي، أو حتى تعويض مقابل احتمالات الإصابة والموت، فالأعمال التي يتكفّل بها العمال توصف بأنها عالية الخطورة، يتقاضون مقابلها أجرا أقل من نظرائهم في الضفة، ولا يعمل بها العمّال الإسرائيليون أصلا، لارتفاع اجورهم، وقيمة التأمين عليهم ضد الحوادث. الظروف المتدهورة في القطاع، جعلت العمال يقبلون الظروف المجحفة من المشغّلين الإسرائيليين، والتنازل عن كامل حقوقهم، وأحيانا عدم دفع أجورهم اليومية، وتهديدهم بالفصل التعسفي. ويرصد التقرير وفاة 14 عاملا، وإصابة المئات، خلال عام 2022، دون تعويضهم أو علاجهم في إسرائيل، بل تم استبدالهم في الحال.

يقول أحد العمال في التقرير: “تلقت العائلة نبأ وفاة شقيقي عبد العزيز، عند حوالي الساعة 11:30، صباح يوم الإثنين، الموافق 2022/8/29، وكان يعمل في أحد مكبّات النفايات في منطقة تل أبيب في إسرائيل، وتوفي نتيجة دهسه بجرافة، خلال عمله في أحد شركات النظافة. وقد حصل على التصريح خلال شهر حزيران/يونيو 2022، تحت بند “احتياجات اقتصادية “، وعمل في شركة النظافة 40 يوما قبل وقوع الحادث”. ويؤكد التقرير أن “المتوفي متزوج وأب لخمسة أبناء، وقبل حصوله على التصريح كان عاطلا عن العمل، ويتلقى مساعدة مالية من وزارة التنمية الاجتماعية، وبعد الحادث لم تتلق أسرته أي مساعدة أو تعويض عن الحادث”.

إنها نمط من العمالة الرخيصة، بدون أية تأمينات، أو مسؤولية من أرباب العمل، وبإمكانية تعرّض العامل لاعتداءات على أساس عرقي وثقافي. ولعل هذا هو التعريف الكلاسيكي للعمل تحت الاحتلال، وحلم “اليد العاملة المثالية” لدى كثير من أرباب العمل حول العالم. ربما يعيش ملايين من العمال حول العالم في ظروف مماثلة، بدون أن تصنّف مناطقهم وبلدانهم بوصفها “أراضٍ محتلّة”.

تحت المقاومة: “بدنا نعيش” وسط الرصاص والضرائب

خضع قطاع غزة للحصار الإسرائيلي منذ تولي حماس سلطة الأمر الواقع في القطاع عام 2007، ومنذ ذلك الحين اعتمد القطاع ماليا على أجور الموظّفين من السلطة الفلسطينية؛ وأموال الإعانات من وكالة الغوث (أونروا) والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ وأخيرا على أرباح التُجار والمستوردين وأصحاب مشاريع القطاع الخاص في غزة. لكن، ومع تحوّل الثورة السورية إلى حرب أهلية في العام 2013، وتدخّل حزب الله وإيران في الحرب، تراجع الدعم المالي، الذي تخصصه طهران لحركة حماس، حليفتها الأولى في الأراضي الفلسطينية، ما دفع الحركة لفرض ضرائب على التجّار المحليين، وعلى كل السلع المستوردة، سواء ما يدخل منها في عملية الإنتاج أو الاستهلاك. ارتفعت تلك الضرائب، حتى وصلت أقصاها عام 2019، بالتزامن مع تقليص السلطة الفلسطينية مرتبات موظفيها في القطاع، ما دفع لانفجار الأوضع، وخروج تظاهرات حاشدة في جميع أنحاء غزة، تحت شعار “بدنا نعيش”، فالضرائب على الأرباح، وعلى السلع المُجمركة أصلا، ضاعفت أسعارها، لتُرهق التجار والمستهلكين على السواء.

واجهت سلطة حركة حماس هذه الاحتجاجات بعنف مبالغ فيه، ونفذت اعتقالات تعسفية، زادت عن 1000 حالة اعتقال، منها اعتقال 17 صحفيا، و6 حقوقيين، بحسب منظمة “هيومان رايتس واتش”، وعلى الرغم من أنها أطلقت سراح أغلبهم بعد عدة ساعات، لكن الجهاز الأمني لحركة حماس استخدم الهراوات والضرب والتنكيل وإطلاق الرصاص الحي، من أجل ردع المتظاهرين، في أكبر تظاهرة خرجت بالقطاع، ووصفت حينها بأنها “ثورة الجياع” في غزة.

 وفي نيسان/أبريل من العام الجاري 2023، أعلنت حكومة حركة حماس ضرائب جديدة على بعض الصادرات والواردات للقطاع، من بينها 24 سلعة، مثل حليب الأطفال والمياه المعدنية، ما جعل أسعار تلك السلع تتضاعف من أربع الي خمس عشرة مرة، وهو ما دفع بعض التجار للتظلّم ضد تلك الضرائب المُبالغ فيها، وغير العادلة، ورفع دعاوى ضدها، ومحاولة تقليص نسبة البضائع المستوردة للنصف، لعدم قدرتهم على تحمّل الفارق أكثر من هذا، دون ان تتفاقم أسعار السلع، بما يضرّ المستهلك.

أقرّت وزارة العمل التابعة لحركة حماس، في العام نفسه 2019، توصية بتفعيل “نظام شركات التشغيل”، وتهدف تلك الشركات لأن تكون وسيطا بين العمال في غزة والمُشغلين داخل الخط الأخضر في مدن وقرى إسرائيل. قدّمت حماس هذه الشركات على أنها وسيلة لحماية حقوق العمّال من ابتزاز السماسرة، الذين يتقاضون مقابلا ضخما على كل ترخيص عمل (4000 شيكل، وشيكات شهرية تزيد عن 2500 شيكل)، فيما  انتقدت “جبهة العمل النقابي التقدمية” الذراع العمالية لـ”جبهة التحرير”، هذه الظروف التي يُجبر عليها العمال في قطاع غزة، والذين لم تتوقف الانتهاكات في حقهم رغم وجود الشركات، ما يجعل علاقة هذه الشركات مع المُشغل الإسرائيلي ضبابية، وتعتبر حالة من السمسرة المُقننة، تهدف منها حركة حماس لتحقيق الجباية، إذ يصل ما تحصّله الشركة مقابل كل عقد عمل نصف سنوي إلى 3600 شيكل (950 دولار).

فاقمت الضرائب وعقود السمسرة من أوضاع القطاع الاقتصادية، ودفعتها للانهيار، فإضافة للحصار الإسرائيلي، تسببت سياسات حماس الاقتصادية والإدارية في تدمير الاقتصاد المحلي، وتعريض آلاف التجار والمستوردين ومقدمي الخدمات للإفلاس، وتنفيذ أحكام قضائية ضدهم، بحسب سمير زقوت نائب رئيس “مركز الميزان الحقوقي الفلسطيني”.

 هنالك سؤال مهم في هذا السياق: ما معنى فرض ضرائب، إن لم تستخدمهما سلطة حماس في تطوير البنية التحتية المنهارة في القطاع، سواء في المجال الصحي أو الزراعي، أو في مجالات الطاقة والصرف والتعليم؟ فكل هذه المجالات المدنية تعتمد بالكامل على المساعدات الخارجية وأموال السلطة الفلسطينية والمؤسسات الدولية، ولا وجود لأي دور مدني حقيقي لحماس. لماذا لم تقدّم الحركة أية مساعدة في توفير سلع ومخزونات استراتيجية، وطرق إجلاء للسكان المدنيين وقت الحرب؟ وهل المقاومة أجدى من حياة البشر، الذين يمكن أن يقتلهم الجوع على أي حال؟

إعادة البناء: ما أهمية العمل بعد الحرب؟

لسنوات طويلة تفاقمت حالة الافتراق والانقسام الفلسطينية، وبدت ظاهرة وواضحة للعيان، مع غياب كامل للديموقراطية، وقمع شديد للخصوم السياسيين، في غزة والضفة معا، لتترافق هذه الحالة مع ضعف “القضية الفلسطينية”، وتقبّل الجميع، المؤيدين قبل الخصوم، حالة الأمر الواقع الإسرائيلية، وإضاعة حقوق الفلسطينيين بالكامل، وليس فقط العمال منهم.

الانسداد السياسي في فلسطين المُحتلة، يتطلّب بديلا آخر، وخصوصا بعد حرب السابع من تشرين الأول/أكتوبر، فالأمر الواقع الإسرائيلي تفكك، ومعه أي شرعية فعلية للسلطة في الضفة والقطاع، وخصوصا بعد انقشاع غبار المعركة، وتأمّل الأهالي لحجم الدمار غير المبرر، الذي لم يستعدوا له، وسط ظروفهم المرهقة، اقتصاديا ومعيشيا.

لا يمكن التكهّن بمعالم مرحلة ما بعد الحرب، وإن كانت ستشهد عمليات إعادة إعمار مكثّفة أم لا، ولكن بالتأكيد، العمال الفلسطينيون هم من سينهضون القطاع المدمّر من بين الركام، وبذلك سيصبحون أكثر القطاعات فاعلية ضمن السكان المتعبين، ولذلك فإن التنظيم النقابي للعمال، بل وتشكيل كيانات سياسية، تعبّر عن مصالح الأغلبية المفقرة في المنطقة، قد يساهم في التخفيف من الآثار القاتلة للحرب أولا؛ ومواجهة السلطات المستغلة للبشر، سواء كانت سلطة الاحتلال أم التنظيمات المحلية ثانيا، وكل هذا قد يكون مقدّمة لتغيير سياسي شامل في الأراضي الفلسطينية، يتجاوز حالة الجمود الفصائلي، ولا يترك البشر يدفعون أثمان قرارات جهات متعالية عليهم، تصادر قرارهم في الحرب والسلام.

قد يكون هنالك خيار إذن، غير أن يبقى الفلسطينيون رهينة لأموال المساعدات، وضحية لقاذفات القنابل، وإذا لم يتم التفكير جديا بهذا الخيار، فإن  البديل ليس إلا الانفجار الديموغرافي، والمجاعات، والهجرة الجماعية الاختيارية والإجبارية.

المراجع

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 5 أصوات
تقييم المقالة
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات