الكتابة السايبورغية: هل سيصبح الذكاء الاصطناعي نوعاً أدبياً؟

الكتابة السايبورغية: هل سيصبح الذكاء الاصطناعي نوعاً أدبياً؟

انتشر، في الفترة الماضية، خبر فوز الروائية اليابانية ري كودان بالجائزة الأدبية الأكثر أهمية في بلدها، والتي تقدّم للكتاب في بداية حياتهم المهنية، عن روايتها “برج التعاطف طوكيو”، والتي توصف بأنها رواية “تكشف نبوءة جيل الذكاء الاصطناعي”. وفي خطاب استلام الجائزة، فجّرت الروائية مفاجأة، باعترافها أنها كتبت الرواية بالاستفادة من برنامج الذكاء الصناعي ChatGPT، مشيرة إلى أنه “ربما تمت كتابة حوالي 5٪ من النص بالكامل مباشرة من قبل الذكاء الاصطناعي”، وهو ما جعل قراءً يابانيين، على وسائل التواصل الاجتماعي، يصفون حصولها على الجائزة بأنه “أمر غير عادل”، لأن ما فعلته يعدّ “سرقة أدبية”.

الأمر نفسه حدث مع رواية “أرض الذكريات”، للكاتب الصيني شين يانغ، والذي استعان أيضا بالذكاء الاصطناعي، فحصل على المركز الثاني في مسابقة “الخيال العلمي الشعبية للشباب لإقليم جيانغسو”. وبحسب التقرير، الذي نشره موقع “SCMP” الصيني، أوضحت فو روتشو، مديرة قسم التحرير بدار “نشر الأدب الشعبي”، أن إدراك تأثير شات جي بي تي على الرواية لم يكن سهلا، خاصة أن “كُتّاب الخيال العلمي يهتمون في الغالب بالإبداع، ووصف المشهد مقابل اللغة”. مضيفة أن” الرواية جيدة التنفيذ، وذات اتساق منطقي”.

في الحقيقة، هذان الكاتبان ليسا وحدهما من استخدم الذكاء الاصطناعي في كتابة الروايات، فكما أوضح موقع “إندبيندت عربية” وصل الأمر “إلى درجة أن إحدى المجلات الرائدة في مجال قصص الخيال العلمي القصيرة في أميركا، اضطرت إلى إغلاق عمليات تقديم النصوص إليها في إحدى الشهور، لأنها أُغرِقَتْ بالقصص المكتوبة بواسطة الذكاء الاصطناعي”.

ومن جانبه يعجّ موقع “أمازون” بعديد من الكتب التي كتبها الذكاء الصناعي، ففي شباط/فبراير من العام الماضي 2023، أوضحت جريدة “ديلي ميل” البريطانية وجود ما يقرب من مئتي عنوان لكتب كتبها الذكاء الصناعي. وليس هذا فحسب، ففي آب/أغسطس من العام نفسه، أوضحت الكاتبة الأميركية جين فريدمان أن المنصة نشرت ستة كتب باسمها، لم تكتب أيا منها، بل إنها لم تنشر أي عمل منذ عام 2018، ليتم اكتشاف أن هذه الكتب قد كتبها الذكاء الصناعي. اضطر موقع “أمازون” لحذف الكتب، وتشديد إجراءات النشر فيما بعد، خاصة بعد الشكاوى التي قدمتها نقابات الكتاب. وفي أيلول/سبتمبر 2023، قررت “أمازون” عدم نشر أي كتب، إلا بعد تأكيد الناشرين أنها لا تحوي أي مواد أنتجها الذكاء الاصطناعي.

عالميا، ظهرت عدة روايات، تؤكد أنها الأولى من نوعها، التي يكتبها الذكاء الاصطناعي، ويعود ذلك لسنوات سابقة لموجة القلق من ذلك الذكاء. ففي عام 2018، نُشرت رواية “طريق1″، التي تعدّ أولى الروايات التي كُتبت بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي؛ وفي عام 2021، ظهرت عديد من دور النشر حول العالم، التي تروّج لكتب مكتوبة بالكامل عبر الذكاء الاصطناعي، ويحررها البشر. إذ أعلنت دار النشر الكورية “بارامبوك” أن الرواية التي أصدرتها بعنوان “العالم من الآن فصاعدا”، هي أول رواية طويلة من تأليف الذكاء الاصطناعي.

في العالم العربي، ظهر عدد من الأعمال، التي تستخدم الذكاء الاصطناعي، بعضها غير أدبي، مثل “تشات جي بي تي يشرح كتاب أقوال في الدولة”، الصادر عن دار “النهضة العربية”، لمؤلفه الدكتور حكمت البعيني، الذي يوضح في حاشية الكتاب أن “فكرة تأليف هذا الكتاب جاءت بعد خمسة أشهر تقريبا، من الإعلان عن بداية استخدام الذكاء الاصطناعي تشات جي بي تي، في 30 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2022… وبما أنني مؤلف كتاب “أقوال في الدولة”، الصادر عن دار النهضة عام 2014، فقد قررت أن أسأل تشات جي بي تي عن رأيه في تلك الأقوال (200 قول)، وأطلب إليه تفسيرا لها”.

وبحسب جريدة “الشرق الأوسط”، فإن “الباحث والروائي السعودي صالح بن عايض اليامي، قام باستخدام إحدى أعظم قصص العشق والحبّ العذري، بنهايتها المأساوية وفصولها الممتلئة بالدراما والحزن والتأسّي على الذات، بشكل روائي، مع إعادة توظيف خوارزميات الذكاء الصناعي لتكوين أقرب صورة للحقيقة. من خلال سيرة “المرقّش”، أحد أبرز شعراء الجاهلية، وأحد أبطال حرب البسوس”. وهي الرواية التي نشرت بعنوان “المرقّش”، وصدرت في أيار/مايو 2023، عن دار “نينوى” للدراسات والنشر.

وفيما يخصّ الروايات التي كُتبت بالكامل عبر الذكاء الاصطناعي، وحُررت من قبل البشر، يمكن القول إن هنالك ثلاث روايات من هذا النوع في العالم العربي، وكلها لكتّاب مصريين: “خيانة في المغرب” لأحمد لطفي، في حزيران/يونيو 2023؛ و”حيوات الكائن الأخير” لمحمد أحمد فؤاد، التي نشرت في شهر شباط/فبراير 2024؛ ورواية “ماذا لو أخطأ شامبليون” لمحمد عبد الله حمودة، والتي ستنشر قريبا. فكيف يمكن أن نقيّم تجربة استخدام الذكاء الاصطناعي في الكتابة؟ هل هي فعلا نوع من “السرقة الأدبية” كما رأى اليابانيون؟ أما أنها مجرد أداة أخرى من أدوات الكاتب المتعددة؟ وهل مخاوف من نوع “حلول الذكاء الصناعي المبدع محل البشر” جديّة فعلا؟

روايتان في الميزان: كيف يكتب الذكاء الاصطناعي؟

في رواية “خيانة في المغرب”، يوضح أحمد لطفي، عن تجربة استخدام الذكاء الاصطناعي، أنه طلب من شات جي بي تي أن يكتب قصة عن “فارس، الذي أوصاه أبوه بألا يسافر إلى مراكش، ليتفاجأ هناك بأن عصابة تطارده، ويكتشف في النهاية أن أمه ما زالت حية”. ويؤكد لطفي أن البرنامج قد “أضاف من عنده شخصية جديدة لعجوز، لاذ فارس بحانوته أثناء المطاردة، وأضاف بعدا نفسيا شاذا للأم، بعدما وصلت إلى فارس، بل وفتح روافد مثيرة للقصة، منها أن الأب شرير”.

بحسب ما أوضحه لطفي أيضا، في مقدمة روايته، فإن شات جي بي تي يكتب بأسلوب غربي واضح، كله جمل اسميّة، ويكتب القائل بعد جملة القول، وهو أيضا من مميزات الأسلوب الغربي. ولأن البرنامج لا يكتب إلا نصوصا قصيرة، فكان على الكاتب أن يتدخّل بالأسئلة أو بالاقتراحات لإكمال الرواية. موضحا أن دوره التحريري، بعد إتمام الرواية، كان من خلال التمهيد للأحداث، وملء ثغرات الكتابة، وتقديم الشخصيات التي تظهر فجأة في الحكاية.

ورغم التحرير، الذي أوضح لطفي أنه استلزم منه ثلاث ساعات، فقد كان من الملحوظ الطريقة التي أعلن بها الذكاء الاصطناعي عن نفسه. فهنالك عدم عناية باللغة الأدبية، إذ تكاد تختفي المجازات من  الرواية، التي تعتمد أسلوبا مباشرا في قص حياة فارس. تحكي الرواية في مستهلها أن فارسا كان يحلم بالسفر إلى المغرب منذ طفولته، ومع بلوغه العشرين مرض أبوه، وقال لفارس: “يا بني، أعلم أنك تخطط للسفر إلى المغرب، لا تذهب للمغرب طول حياتك. أرجوك لا تذهب للمغرب”، ثم لفظ أنفاسه الأخيرة، وبعد وفاة الوالد لم يستمع فارس لنصيحة والده، وإن لم ينسها أبدا، فقد تذكّر كلماته “لكنه لم يجد مانعا، إذ لم يوضح أبوه السبب، مجرد زيارة صغيرة”.

نحن هنا أمام إشكالية كبيرة: تُعلن الأشياء عن نفسها دون أن نفهمها ونستوضحها. أبو فارس يخبره عن ضرورة الامتناع عن السفر، دون أن يبرر له أو لنا؛ ثم يقرر فارس الذهاب، دون تبرير واضح أيضا. وطوال الرواية نرى الأشياء تحدث، لأنها كان يجب أن تحدث بهذا الشكل، بدون أن تكون هناك دوافع واضحة، وبالتالي ينكسر الإيهام، الذي يجعلنا نتوحّد ونصدّق شخوص الرواية.

يختفي أيضا المكان، رغم بروزه في العنوان، فالقصة التي حدثت في المغرب، كان يمكن أن تحدث في أي مكان آخر، ريو دي جانيرو البرازيلية مثلا، أو شيكاغو الأميركية، أو شنغهاي الصينية. اللهم إلا إشارات قليلة، يمكن أن تشمل كثيرا من البلدان العربية أو الشرقية عموما. خصوصية المكان هنا مهملة تماما، ولا سرد يمكن أن يميّز وجود المغرب، ووجوهه الكثيرة، في الحكاية.

هنالك أيضا التسطيح والأحادية، فالشخوص إما شريرة أو خيّرة، وحتى الشر غير مبرر أو مفهوم، وربما لا نبالغ ولو قلنا إنه ساذج، فالشخصية الشريرة الرئيسة في الرواية تصل إلى درجة الشروع بالقتل، بدون سبب مفهوم. ربما لا يوجد دافع منطقي لكل هذا إلا الرغبة بصناعة حبكة ملتوية “بلوت تويست”، على طريقة حبكات الأفلام والمسلسلات الأميركية. وهو أمر سنجده متكررا في كثير من الأعمال التي كتبها شات جي بي تي، فبجانب قدرته على صناعة حبكة بالمعنى المعياري، بما تتضمنه من بداية ووسط ونهاية، فهو يرغب دائما في مفاجأة جمهوره، وإن كان يتركهم معلّقين، غير قادرين على فهم المفاجأة.

تبدو الأشياء واضحة في كثير من الأحيان أمام أعين وآذان البطل، ثم نجده يصمّ أذنيه ويعمي عينيه عنها، دون أن نفهم لم قد يقرر أن يفعل ذلك. في بعض الأحيان نحسبه ذكيا، وفي أخرى غبيا وضعيف الحيلة تماما، وهو أمر يبرره عدم قدرة شات جي بي تي على صناعة نص طويل، وبالتالي قد تتغير أفعال شخوصه في النصوص المختلفة، والمعاد تجميعها.

أما الزمن، ورغم وجود ألفاظ دالة عليه، ولكنه في بعض الأحيان قد يكون مربكا، سواء في القفزات الطويلة زمنيا، التي اختُصرت بشكل مخل، أو في لحظات لا يبدو فيها مرور الزمن مفهوما من الأساس، مثل لحظة اختطاف فارس على وجه التحديد، والاستعداد لإنقاذه. ولكن على العموم، يبدو الكاتب أحمد لطفي هنا غير مشغول بتقديم نفسه، ولكن بتقديم قدرات شات جي بي تي، وعرض ما الذي يمكن لهذا البرنامج الجديد تقديمه.

ربما يختلف الأمر بعض الشيء مع رواية “حيوات الكائن الأخير”، للكاتب محمد أحمد فؤاد، والذي يعمل محررا ومصححا لغويا، إذ يبدو عمله وتحريره واضحا بشكل أكبر في الرواية، وهو ما يؤكده فؤاد في المقدمة، فهو قام بـ”إمداد الأفكار، ثم تحرير المنتج النهائي، للتخلّص من أي أخطاء إملائية، وتعديل العبارات ذات الصياغات الركيكة، وتصويب الكلمات والمصطلحات غير الدقيقة، والربط بين بعض الفقرات غير المتسقة، وحذف الكلمات والعبارات المكررة، وتعديل بعض العناوين”. وهذا العمل قد استغرق من الكاتب إحدى عشرة ساعة، موزعة على أربعة أيام. وهذا ربما ما جعل الرواية تختلف تماما في لغتها عن الرواية الأولى، إذ تحاول الابتعاد عن الركاكة تماما، وإن كان هناك بعض التمايز في مستوى اللغة بين فصول الرواية، التي يبدو أن بعضها لم يُحرر بنفس درجة فصول أخرى.

يبدأ الفصل الأول بمونولج للذكاء الاصطناعي، يعرّف فيه نفسه، وهو مونولوج أطول من اللازم، ويبدو بعيدا عن الحدث الروائي بشكل كبير، الذي لم تلتفت الرواية له إلا في نهاية الفصل. فيما يبدو الفصل الثاني وكأنه بداية أخرى للرواية. ربما كان يمكن تكثيف الفصل الأول والثاني سوية، لأننا لا نلحظ بداية الأحداث الفعلية إلا مع نهاية الفصل الثاني.

تبدو الشخصيات هنا متماسكة، وبشكل أكبر تبدو مهمومة ومشغولة بأفكار أكبر بخصوص العالم، بدءا من البروفسور “آدم تيرنر”، مرورا بالذكاء الاصطناعي نفسه. تحكي الرواية عن ذكاء اصطناعي يصنعه البروفسور، ويُشكّل وعيه بشكل أقرب للبشر، مقررا أن ينقل هذا الوعي إلى دماغه الشخصي، من خلال جهاز صنعه، وكذلك يجرب وعي أنواع شتى من الكائنات، مطلعا إيانا على ما يشعر به، حين يتمثّل كل أنماط الوعي تلك، وفي النهاية يتخذ قرارا جريئا، هو “البلوت تويست” في الرواية.

الزمن في هذه الرواية سلس للغاية، ويمكن فهمه، أما المكان فلا تكترث له الرواية من الأصل، فهي ليست رواية مكان في المقام الأول، بل مشغولة بأسئلة أخرى، أهمها: ما الوعي؟ وهل يمكن أن يكون للذكاء الاصطناعي وعي مشابه للإنسان؟ وما الذي يمكن أن يحدث في حالة انتقال وعي الآلة للإنسان؟ وأخيرا، ما الذي يمكن أن يحدث في هذا الامتزاج؟  

تبدو بعض الأحداث فقط غير مبررة، كما في حالة الرواية الأولى. فلا نفهم كيف عُثر على جهاز البروفسور على سبيل المثال. كما أن هناك استخداما لمفردات عامة، للتعبير عن مشاعر عميقة، دون اهتمام بالأبعاد الكثيرة للمشاعر والإحساسات. وهو أمر يمكن فهمه، طالما منشئ النص آلة.

كالعادة، حبكة الرواية لا تنقصها المتانة، هنالك مقدمة، وتصاعد للأحداث حتى الذروة، ليختار الكاتب في النهاية تقديم ثلاثة اختيارات لقرّائه: نهاية متفائلة، وأخرى متشائمة، وأخيرا نهاية بشفرة يستعصى فهمها.

وعلى الرغم من الثغرات المذكورة في الروايتين، تبدو نصوصهما مليئة بالاحتمالات الواعدة لنتائج تمازج الفعل البشري مع الآلة. ربما كان فعل الكتابة هنا قريبا لحبكة رواية “حيوات الكائن الأخير”، إذ أن النصوص نتيجة تمازج وعيين فعلا. إنها نصوص يمكن وصفها بـ”ما بعد إنسانية” أو “سايبورغية” (تمازج الإنسان بالآلة)، وربما تصبح عناصر فيها مستقبلا، نعتبرها “عيبا” الآن، مثل انكسار الايهام المتكرر؛ سطحية المشاعر؛ اللغة والجمل الآلية، أحد سمات “نوع أدبي” كامل، قد يصير له عشّاقه وجمهوره.  

الصوت والتعبير: هل يغزو الذكاء الاصطناعي أيضا كل وسائط الأدب؟

لم يقتصر استخدام الذكاء الاصطناعي في الأدب على النص المكتوب فقط، بل استعان كتّاب به من أجل تحويل نصوصهم إلى مُنتج مسموع، وهو ما فعله الكاتب التونسي وليد حمدي، الذي تحوّلت روايته “أيهم رحلة لاجئ” عام 2022 إلى مادة مسموعة، بصوت الذكاء الاصطناعي، بعد عام واحد من نشرها، وفي الحقيقة فإن حميدي ليس الكاتب الأول في العالم، الذي حوّل روايته المكتوبة لنص مقروء عبر الذكاء الاصطناعي. إذ أوضحت صحيفة “نيويورك تايمز” أن الذكاء الاصطناعي باتت لديه قدرة فائقة على تحويل النصوص المكتوبة لمسموعة بسرعة، وبشكل كبير الشبه بالإنتاج البشري، وهو الأمر الذي يقلق العاملين في مجال قراءة الكتب لصالح منصات الكتب المسموعة، خاصة بعد ظهور آلاف الكتب الصوتية عبر العالم، التي تستخدم أصواتا أُنشئت من خلال قواعد بيانات، تحوي أصوات أشخاص حقيقيين، وبعضها مزيج من أصوات متعددة ومختلفة.

ورغم أن المتحدث باسم شركة “أوديبل” لصناعة الكتب الصوتية، التابعة لأمازون، صرّح بأن “الرواية بالأصوات المحترفة الإنسانية كانت وستظل أساس تجربة الاستماع في أوديبل”، فإن شركة “أبل” أكدت أنها تنوي إتاحة مجموعة من الكتب الصوتية بصوت الذكاء الاصطناعي، وهو ما تبرره المنصة العملاقة بمساعدته في إتاحة الكتب بشكل أسهل للجميع. من جانبها تقدّم شركة “غوغل” خدمة شبيهة، تسميها “الرواية التلقائية” “auto-narration”.

تؤكد كثير من الشركات العملاقة أن التوجّه للصوت الصناعي في سرد الأدب له أسبابه العملية والأدبية، وذلك لأن 5% من الكتب فقط تحوّل إلى كتب صوتية، نتيجة التكلفة التي تقع على عاتق الشركات التي تعيّن عناصر بشرية، والذكاء الاصطناعي سيتيح رفع هذه النسبة كثيرا، إلى جانب إتاحة تسجيلات للكتب القديمة المنسيّة. فيما يرى بعض محللي سوق النشر أن انتعاش سوق الكتب المسموعة سيعود بالفائدة على العاملين بهذا المجال، بمن فيهم المؤديين الصوتيين.

صور وأغلفة الروايات، والرسوم التوضيحية أو التعبيرية، باتت هي الأخرى مجالا لعمل الذكاء الاصطناعي، القادر على إنشاء صور وتصميمات في ثوان معدودة. وبحسب موقع “الأيام” البحريني “أصدرت الكاتبة البحرينية ندى الفردان، المتخصصة في أدب الطفل، كتابها الجديد “الغافة المسحورة”، مستخدمة تقنيات الذكاء الاصطناعي وخوارزمياته، لإعداد الرسوم التعبيرية المرافقة للنص، ليكون بذلك الإصدار البحريني الاول المطبوع، الذي يستعين بالذكاء الاصطناعي”.

من تصميمات كتاب “الغافة المسحورة”

والفردان ليست الأولى عربيا التي تستخدم الصور، التي صممها الذكاء الاصطناعي، داخل عملها. الأمر الذي بات يقلق أيضا مصممي أغلفة الروايات والرسامين.

التشكيك بالذكاء: هل يجب ألّا نخاف على “الإبداع”؟

انتقل الذكاء الاصطناعي إلى الغناء كذلك، إذ بتنا نجد أغان كتبها الذكاء الاصطناعي، مثل الأغنية التي نُشرت على موقع صحيفة “العربي الجديد”، مزيلة بتعليق “قد تعتقد أن هذه الأغنية من تأليف وتلحين فنانين، غير أنها نتاج لعمل الذكاء الاصطناعي، أبدعه الفنان الموسيقي الأردني بدر الخطيب، المعروف بلقب لونر”.

عالم المسلسلات أيضا لم “يسلم” من الذكاء الاصطناعي، فبعد إضراب كتاب هوليوود، ازاد النقاش حول استخدام الذكاء الاصطناعي لسد هذه الثغرة، ورغم بدء هذا الاستخدام على نطاق ضيق، خاصة بعد عرض حلقة من مسلسل الرسوم المتحركة “ساوث بارك”، مكتوبة جزئيا عبر الذكاء الاصطناعي، إلا أن كُتّابا كثر، وعلى رأسهم تشارلي بروكر، مؤلف المسلسل الشهير “بلاك ميرور”، قد شككوا في قدرة الذكاء الاصطناعي على إبداع الحلقات، وأشار بروكر، خلال لقاء معه، إلى أنه حاول بالفعل استخدام الذكاء الاصطناعي لإنتاج حلقة مكتوبة، وكل ما وجده هو مجموعة من حلقات المسلسل مجمّعة سويا، بلا أي إبداع.

حتى الآن لا يبدو شات جي بي تي، ولا غيره من برامج الذكاء الصناعي، قادرا على إبداع نص مستقل، وأصلي تماما، وطويل، دون تدخّل وتعديل البشر، وإن كان يملك قدرة كبيرة على التطور، بشكل يمكن ملاحظته عبر الأداءات البسيطة، مثل الترجمة. وهو ما يعطي تلميحا لما يمكن أن يصبح عليه مستقبلا، من ناحية جودة نصوصه. ولكن بغض النظر عن الجودة، فإن كل نصوص البرنامج لا تعتمد على “الإبداع” بشكل كامل، ولكن على إعادة إنتاج النصوص المخزّنة في ذاكرتها. وبحسب ما أوضحت التقارير، هناك مئات الأعمال المكتوبة، المخزّنة بشكل غير قانوني لدى شات جي بي تي، ويستفيد منها لطرح النماذج الأدبية، وبالتالي يبقى الذكاء الاصطناعي بحاجة الإبداع الإنساني لكي يستمر ويتطوّر، أما في اللحظة التي سيتوقف فيها ذلك الإبداع، فسيتوقف معه الذكاء الاصطناعي بالتبعية. وإن كان الواقع مليئا بكل الاحتمالات بالطبع.
ولكن ما تعريف “الابداع” بالضبط، كي نميّز بفضله بين فعل البشر والآلات “الذكية”؟ ربما كانت صعوبة التعريف، وتعدد دلالات المفهوم، هما بالضبط ما يجعله “ابداعا”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
4.5 2 أصوات
تقييم المقالة
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات