رافع-إدواردز: لماذا يستهدف قضاة “السوشال ميديا” المشاهير العجائز؟

رافع-إدواردز: لماذا يستهدف قضاة “السوشال ميديا” المشاهير العجائز؟

تعرّضت شبكة BBC البريطانية، في شهر تموز/يوليو الماضي، إلى هزة عنيفة، بعد نشر صحيفة The Sun، واسعة الانتشار، مقالا يحوي إفادة سيدة بريطانية، عن ابنتها التي تتلقّى، منذ ثلاث سنوات، أموالا طائلة من مذيع ومقدّم برامج شهير في BBC، مقابل إرسال صور جنسية لها. وكشف التقرير، الذي لم يذكر اسم المذيع، أن الوالدة تقدّمت بشكوى للمحطة، ولم تتلق ردا، ثم لجأت إلى وسيلة إعلامية أخرى، بغية إيقاف المذيع عن إرسال الأموال إلى ابنتها، التي تنفقها على المخدرات، وأشار التقرير إلى أن علاقة المذيع بالفتاة، ربما قد بدأت عندما كانت في السابعة عشرة من عمرها، أي تحت السن القانوني. 

من جهتها أقرّت BBC بتلقي الشكوى، وأكدت أنها كانت تقوم بتحرياتها الخاصة، وتتواصل مع السلطات الخارجية، بما يتماشى مع بروتوكولاتها، وأنها حاولت الاتصال مرتين بعائلة الفتاة، بدون استجابة.

ضجة كبيرة أثيرت حول الموضوع، وملأت التساؤلات عن هوية المذيع مواقع التواصل الاجتماعي، مما اضطر العاملين في الإذاعة إلى مطالبة المذيع المعني بالخروج إلى العلن، وتحمّل مسؤولية ما قام به، حتى يتوقّف الناس عن التكهّنات، ورمي الاتهامات جذافا، لتخرج  فيكي فليند، زوجة نجم البي بي سي هيو إدوارد، ببيان نيابة عنه، أكدت فيه أن زوجها هو الشخص، الذي استهدفه التقرير، وقالت إنه “يعاني من مشاكل نفسية حادة”، وهو الآن “يتلقّى الرعاية في أحد المستشفيات، حيث سيبقى لفترة”، طالبةً الخصوصية لعائلتها.

هيو إدواردز ليس مذيعا عاديا، إنه نجم BBC الأهم، الذي كان يقدّم أهم أخبار بريطانيا. هو من أعلن وفاة الملكة، ومن أعلن تنصيب الملك تشارلز، وهو من ينقل نتائج الانتخابات، إلى جانب برامجه التي يقدمها بحرفيّة عالية، وكاريزما استثنائية، وكذلك هو مذيع نشرة الأخبار اليومية.

بدأت الشرطة تحرياتها فورا، وخرج تقريرها، بعد انتهاء التحقيقات مع المذيع والفتاة، بأنه لا توجد أدلة على ارتكاب أية جريمة جنائية، فالفتاة كانت على علاقة مع المذيع بإرادتها، وبدأت العلاقة بعد أن تجاوزت الثامنة عشر من العمر. لكن مع ذلك لم يتوقف مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي عن إعادة نشر الخبر وتناقله. صحيفة The Sun نفسها، خفّفت من لهجتها، وذكرت أنها لم تُشر من الأساس إلى جرم مؤكّد. وفي خضّم العاصفة، التي أثارها التقرير، وردت رسالة إلى BBC  من محامي الفتاة، ذكر فيها أن موكلته تنفي كل الادعاءات الواردة بحقها، وأن ما تقوله والدتها “خاطئ تماما، وعارٍ عن الصحة”، مؤكدا: “لتجنّب الشك، لم يحدث أي شيء غير لائق أو غير قانوني بين موكلتي وشخصية BBC، والادعاءات الواردة في الصحيفة مجرّد هراء”.

تساؤلات كثيرة طُرحت حول سبب نشر التقرير دون أدلّة، وعن سبب تسرّع الصحيفة بالنشر، على الرغم من تصريحها بأنه لا يوجد أي جرم منذ البداية، أي أن محرريها كانوا متأكدين أن الفتاة لم تكن قاصرا. كما  أبدى إعلاميون استغرابهم من عدم توجّه والدة الشابة، التي قالت إنها “تسعى إلى العدالة، وليس المال”، إلى الشرطة بدلا من اللجوء إلى الإعلام.

الصُحفي البريطاني جواثان سوبيل، تساءل في مقابلة أجريت معه، عن سبب إثارة هذا الموضوع من أساسه، طالما لا يوجد خرق للقانون، ولا إساءة لاستخدام السلطة، ولا اعتداء جنسي أو تلاعب. بل أن الرجل لم يقم بالتبشير بقضية أخلاقية معيّنة على العلن، وتصرّف عكسها في حياته الخاصة. وأكد سوبيل أن السلوك الذي ارتكبه هيو إدواردز قد لا يكون حكيما، وقد لا يحبه الناس، لكنّه شأن خاص، طالما أن الفتاة نفت كل الادعاءات باستغلالها.

هذا النوع من الحوادث لا يقتصر على بلدان عريقة في ديمقراطيتها وقوانينها مثل بريطانيا، بل يصل أيضا إلى بلدان تعاني كثيرا من المشاكل السياسية والمعيشية، بل غارقة في حروب أهلية، مثل سوريا. والمشترك بين الحالتين هو دور وسائل التواصل الاجتماعي في بناء “الفضيحة” ومقاضاتها. انتشرت، في شهر تموز/يوليو الماضي أيضا، مكالمة فيديو للممثل السوري أحمد رافع، (76 عاما) تظهر لحظة، يفترض أن تكون حميمية وخاصة جدا، مع فتاة، لكن الاخيرة قامت بنشر فيديو المكالمة، وحاولت ابتزازه ماديا بذلك.

انتشر الفيديو بشكل واسع، وتناوله الناس، للتسلية والسخرية من الممثل، ومن سنّه وتوجهاته السياسية، وإطلاق الأحكام الأخلاقية عليه. وهو بدوره حاول التملّص من الواقعة، بادعاء أنها مفبركة عن طريق الذكاء الاصطناعي، ليقع مرة أخرى ضحية جهله بالتكنولوجيا، وضحية الناس، الذين أوغلوا في السخرية منه. عاد أحمد رافع مرة أخرى، ووقع فريسة شاب سوري يعيش في أوروبا، انتهك خصوصيته، ونشر له فيديو آخر، يعترف فيه بالواقعة الأولى. ولكنه أيضا لفت في التسجيل نظر الناس إلى ما كان يجب أن يقوله منذ البداية، وهو “أن هذه حياته الشخصية، وهو حر بما يفعل”. من يتتبّع الإعلام العربي والبريطاني فيما يتعلق بحادثتين متشابهتين إلى حد ما، على الرغم من الفرق بين مستوى النجاح والحرفيّة بين الشخصين المعنيين، يلاحظ اختلاط الجنائي بالأخلاقي بالسياسي، في حوادث تتعلق أساسا بممارسات أفراد في الحيز الخاص، لا يوجد أي دليل على أنها جرائم، بالمفهوم القانوني لأية دولة.

الأسئلة الأبرز هنا: كيف يتم جعل الشخصي مثارا لمحاكمة “مستخدمي” مواقع التواصل؟ وكيف ترتبط هذه المحاكمة، التي يصعب إيجاد أي سبب لشرعيتها، بقضايا مثل الأخلاق العامة والنسوية والديمقراطية؟ ولماذا يبدو الرجال المسنون، الذين لا يجيدون مواكبة آخر “التطورات” التكنولوجية، الأبطال الأبرز لمثل هذه الفضائح؟ 

الأخلاقية الجديدة: لماذا ما يزال الأداء الجنسي سببا للإدانة؟

تحدّث عديد من الإعلاميين، و رواد مواقع التواصل الاجتماعي، عن إمكانية استخدام موضوع حساس، مثل العلاقات والميول الجنسية، لتصفية حسابات شخصية، مع قامة إعلامية بحجم هيو إدواردز، أو مع شبكة BBC.

الصحفي، البالغ من العمر واحدا وستين عاما، والذي يتمتّع بشخصية قوية، وسمعة جيدة، ومصداقية عالية، أظهر، حسب عديد من التقارير الإعلامية، التزاما بالقيم الصحفية والدقّة الإعلامية، وكثيرا ما كان يؤكد على أهمية الخصوصية، خاصة للأفراد فوق سن الثامنة عشرة، وكان صوتا محترما في صناعة الإعلام، ولكنه وقع هو نفسه ضحية عدم  الحذر في تعاملاته الخاصة، ولم يقدّر التبعات، التي قد تنشأ من تبادل صور حميمية على مواقع التواصل الاجتماعي، شأنه شأن كثير من السياسيين والمشاهير المسنين، الذين تعرّضوا إلى “فضائح” مشابهة. هل هم فاسدون أكثر من اللازم؟ يمكن نقاش هذه النقطة كثيرا، حسب أيديولوجية وأخلاق كل شخص، ولكن الأكيد أنهم أشخاص كبار في السن، لا يفهمون تماما التكنولوجيا ووسائل التواصل الحديثة، و”أخلاقها” المستجدة، ما يجعلهم موضوعا سهلا للاستهداف، من قبل أية جهة تريد تصفية الحسابات معهم.

كثيرون تساءلوا عن سبب ربط السلوك الجنسي الخاص، غير الجنائي، بالحضور العام لشخصيات شهيرة، خاصة في مجتمع غربي، قطع شوطا كبيرا في صيانة الحريات الفردية. يبدو أن السبب الأساسي، بحسب كثير من المحللين، هو تصفية حسابات، مهنية وسياسية، يقصد منها تدمير سمعة أشخاص، والنيل منهم، ومن كرامتهم الإنسانية، رغم أن ما يحدث في حياتهم الخاصة لا يمس أحدا، تماما كما في حالة هيو إدواردز، بعد أن تبيّن أن العلاقة بينه وبين الفتاة رضائية، وأكدت هي نفسها، أنها لم تكن تحت السن القانوني، عندما بدأت علاقتها به.

الوضع نفسه، رغم كل الاختلافات، يمكن تطبيقه على حالة الممثل السوري أحمد رافع، الذي لم يرتكب أي مخالفة، لا بالمعايير القانونية السورية، ولا حتى الأوروبية، ولكن نشاطه الجنسي في حياته الخاصة، كان أسلوبا لإذلاله وتصفية الحسابات معه، خاصة أنه معروف بتأييده للنظام السوري.

يذكّر هذا بعصر خلى، عندما كان بالإمكان انتهاك خصوصية أفراد، والتعريض بهم في الحيز العام، نظرا لميلهم الجنسي “غير السوي”، كأن يكونوا مثليين جنسيا، أو أصحاب أداء جندري غير معياري. اليوم صارت المثلية في العالم الغربي مقبولة بشكل عام، إلا أن محاذير أخلاقية جديدة برزت للعلن، تحت شعارات، تقدّم نفسها بوصفها “تقدمية” أحيانا. أما في العالم العربي، فالجنس والحياة الخاصة حمّالة أوجه دائما، ويمكن استخدامها دائما للنيل من الأفراد، عندما لا تكفي كل أساليب العنف والقمع السياسي.  

تقول دراسة نشرها مركز Pew للأبحاث، أن معظم الفضائح الجنسية، التي يتعرّض لها السياسيون، سببها التدقيق الكبير، الذي تخضع له حياتهم، وليس تدنّي الأخلاق لديهم مقارنة بغيرهم. وهذا ما يمكن تطبيقه على حالة كثير من المشاهير، بغض النظر عن مجال عملهم. المنافسة الكبيرة التي يواجهونها، وكذلك الغيرة والطمع، وتصفية الحسابات الشخصية والسياسية، قد تكون وراء عديد من القضايا، التي خرجت إلى العلن، تحت مسمى “الفضيحة”.

الأخلاق الصلبة: لماذا نرتاع من “الجنس العرضي”؟

تقول دراسة حديثة، أجراها باحثون في جامعة كورنيل وجامعة نيويورك، إن “الجنس العرضي مفيد للناس من الناحية النفسية، إذا كانوا يعتقدون أنه مقبول، لكن هناك شرائح كثيرة من الناس تربط السلوك الجنسي بالأخلاق، خاصة في المجتمعات التي يتحمّل فيها الرجال المسؤولية الاقتصادية، وهنا يسعى كل من الرجال والنساء الى تقنين العلاقات الجنسية في إطار الزواج، من أجل الحفاظ على المال والملكية”.

في تعليق لها على هذه الدراسة، تقول الكاتبة كاري روم: “ربما تكون العلاقة بين السلوك الجنسي والأخلاق قد نشأت بوصفها طريقة للحفاظ على النظام الاجتماعي القائم على النوع الاجتماعي سليما”، وتشير إلى أن الذرائع الدينية القديمة ضد ممارسة الجنس العرضي لا تزال موجودة حتى يومنا هذا، ولكن بأشكال أخرى، لأن ممارسة الجنس مازالت مرادفة للأبوة في كثير من الحالات، وترتبط لدى بعض الناس مع القلق من صعوبة في إثبات النسب. رغم أن ممارسة الجنس لم تعد في يومنا مرتبطة بالإنجاب، إذ لا يرغب كثير من الناس بإنجاب الأطفال، كما أن فحوص إثبات النسب متوافرة، ومفهوم الأسرة بحد ذاته تغيّر مع الزمن، لدرجة  أن فكرة وجود معيل وحيد، وتحديدا رجل للعائلة، هي “فكرة عفا عليها الزمن”، فلماذا كل هذا التشدد بما يخص العلاقات الجنسية العرضية؟

فسّرت دراسة، نشرها موقع Springer nature، تأخّر المعتقدات الاجتماعية عن التكيف مع التطور الحاصل، بأن “البيئة قد تغيّرت بشكل أسرع من النظام الأخلاقي”. كما أن النساء الراغبات في الجنس العرضي، يقوّضنّ رغبة نساء أخريات بإقامة علاقات طويلة الأمد، بحسب الكاتب ديفيد بوس، في كتابه “تطوّر الرغبة: استراتيجيات التزاوج البشري”، وهذا أحد أسباب الانتقاص من الرجال، والنساء اللواتي يقمنّ بالجنس العرضي.

وبالعودة الى مقال كاري روم، فإن الناس يطلقون الأحكام الأخلاقية على الاخرين، حتى عندما لا تكون معاييرهم الأخلاقية متطابقة مع أفعالهم، إذ أن  ثلث الأمريكيين، الذين شاركوا في إحصائية، قامت بها مؤسسة غالوب، قالوا إنهم “لا يؤمنون بممارسة الجنس قبل الزواج”، على الرغم من أن 95٪ من الأمريكيين يفعلون ذلك. هذه الازدواجية، الناتجة عن تأخّر المنظومة الأخلاقية في ملاحقة التغيّرات الاجتماعية، يتم استخدامها عند الحاجة، لتصفية الحسابات الشخصية أو السياسية، وبالتحديد أكثر، بعد أن وفّرت وسائل التواصل الاجتماعي طريقة سريعة لنشر المعلومات والصور، وإعادة إرسالها؛ وكذلك وسيلة للتواصل الحميم بين الناس لممارسة الجنس على الانترنت؛ وفي الوقت نفسه أمّنت إمكانية التعليق وإبداء الرأي للجميع، على اختلاف ميولهم وأهدافهم، فصار مستخدمو مواقع التواصل قضاة، يعلنون أحاكمهم وينفّذونها فورا، وبكل بساطة.

قد لا يعرف من ليسوا من “أجيال السوشال ميديا”، كيف يمكن أن تتحوّل لحظة متعة رضائية إلى فضيحة أخلاقية أو جنسية، قد تنتشر بشكل هائل، وذلك لأن معايرهم تنتمي لعصر آخر، لا يمكن تقييمه أخلاقيا، بكونه أفضل أو أسوأ، ولكن بالتأكيد فإن المعايير الحالية لا ترتبط فقط بالحقوق الفردية أو حماية الفئات الضعيفة، بل لها أبعاد سياسية وأيديولوجية، قد لا تكون لها علاقة بأي مفهوم للأخلاق. 

جنسانية المسنين: لماذا نُعامل جميعاً كقاصرين؟

تؤكد دراسة، نشرها موقع Research gate، أن ما يحدث على مواقع التواصل الاجتماعي، قد يغيّر الفكرة النمطية السائدة، بأن كبار السن هم كائنات لا جنسية، وغير قادرين، أو غير مهتمين بممارسة الجنس، لكن في الواقع “يعتبر كبار السن من أسرع مجموعات متصفحي الإنترنت نموا، وهم يستخدمون الشبكة بطرق مختلفة، لتعزيز هوياتهم وخبراتهم الجنسية”. إلا أن الناس عموما، ومن كل الأعمار،  ليس لديهم إطار مرجعي للتعامل مع هكذا قضايا.

تغيًر العالم فجأة بالنسبة لكبار السن، رجالا ونساءً، وصاروا عرضة للاستغلال بسهولة، وبما أن الانتهازية موجودة في كل زمان ومكان، فيمكن بسهولة تغطية استهدافهم بحجج حقوقية وأخلاقية، يمكن إدراج حالة إدوادرز في سياق الصراع المحتدم على الصدارة، في عالم الإعلام الانجلوساكوني، حيث تحاول “فئات جديدة” البروز، والوصول إلى المكاسب المتاحة، التي يزداد الوصول إليها صعوبة، خاصة إذا تذكّرنا أن BBC، تقلّل انفاقها، وتغلق عددا من أقسامها، مثل الراديو الناطق بالعربية. أما في حالة أحمد رافع، فهنالك حس الثرثرة، واختلاط “الأخلاق الجديدة”، ذات المصدر الغربي، بالتفكير الإسلامي المحافظ. وفي كلتا الحالتين، لا نجد إلا اعتداء على الحيز الخاص، وجعل ممارساته طريقة للنيل من البشر.

كثيرون جادلوا، بشكل محق، بأن عدم وجود جريمة جنائية لا يعني أن ما قام به إدواردز صحيح. ودعوا الناس الى التفكير مرة أخرى بما هو الخطأ وما هو الصواب، كما خرجت موجة للتعاطف مع زوجة المذيع الشهير، بوصفها امرأة ناجحة بمهنتها، وزوجة، وأم لخمسة أطفال، لم تلق إلا الخيانة من زوجها؛ كما تساءلوا عن حالة الفتاة، التي تلقت الأموال، وعن حالتها النفسية، وهل تتلقى العناية الضرورية، في حال كانت فعلا تتعاطى المخدرات. إلا أن إمكانية تحوّل هذا الجدل الأخلاقي والاجتماعي، المتعلّق بالحياة الخاصة، إلى طريقة لإصدار الأحكام القاطعة على البشر ، في حياتهم العامة، وتنفيذها بشكل فوري، عبر التشهير والنبذ والإلغاء، قد تكون له أبعاد سياسية وثقافية لا يمكن التنبؤ بها.

قد يظنّ البعض أن ذلك التشهير والإلغاء أمر إيجابي، بما أنه يخلّصنا من “سلطة الرجال المسنين”، ولكنّ تعميم المبدأ، قد يطال الحياة الخاصة لأي شخص، أيا كان عمره وجنسه وميوله. وقريبا قد نصبح جميعا تحت وطأة حملات الارتياع الأخلاقي، بناء على ممارساتنا الخاصة، عندما لا يمكن إسكاتنا في الحيز العام. ما سيؤدي إلى تصليب القيود الأخلاقية، وإلى مزاودة لا تنتهي حول “السلوك القويم”. لا يختلف هذا جذريا عن “قيم الأسرة”، التي تعممها الدول العربية القمعية، في عصر ما بعد الربيع العربي.   

رأى عديد من المعلقين البريطانيين أن هيو إدواردز  قد دفع ثمنا باهظا مقابل طيش بسيط نسبيا، لكنه أجبر كامل الصحافة البريطانية على احترام خصوصيته، في مجتمعات بدأ أفرادها يفقدون الخصوصية، التي سعوا سنوات طويلة لحمايتها، بوصفها حقا أساسيا، بل مقدسا. ولا يقتصر الأمر عليه بوصفه “رجلا مسنّا”، بل أيضا على شريكته في “الفضيحة”، إذ أدان عديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي البريطانيين، إقحام صفة “قاصر” عليها، رغم أن هذا مجرد كذب، وكأن الأخلاقية الجديدة تريد تحويل النساء، وكل البشر، إلى قاصرين، يخضعون للمحاكمة على سلوكهم الخاص. 

ربما كان تعميم هذه الأفكار إيجابيا، كي لا نخضع أكثر فأكثر إلى حكّام أخلاقيين، لا نعرف مصدر شرعيتهم، أحيانا يسمّون أنفسهم “ناشطين”، وأخرى “مؤثّرين”. إلا أنه، بكل الأحوال، لا يمكن الحفاظ على أي مفهوم للأخلاق أو العدالة أو القانون تحت سلطتهم. وإذا كان الجيل القديم، وهو ليس “العدو”، بل جيل أمهاتنا وآباءنا، هو ضحيتهم اليوم، فربما قد نصبح نحن قريبا الضحية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
4.2 15 أصوات
تقييم المقالة
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات