“هجوم العمالقة”: ماذا سيبقى منّا إذا خسرنا العدو؟

“هجوم العمالقة”: ماذا سيبقى منّا إذا خسرنا العدو؟

عُرضت الحلقة الأخيرة من مسلسل “هجوم العمالقة”، في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بعد ما يُقارب العشر سنوات من عرض حلقته الأولى في العام 2013، لتختتم بذلك مسيرة واحد من أشهر مسلسلات “الإنمي” الياباني على الأطلاق. والموضوع لا يتعلق فقط  بتسلية “بريئة”، فالمسلسل مُنع عرضه، أو بيع مجلات المانعا الخاصة به في الصين؛ واتُهم كاتبه هاجيمي ايزياما  Hajime Isayama بمعاداة السامية، وتبنّي نظريات مؤامرة عن اليهود وهيمنتهم؛ كما أن “هجوم العمالقة” يُعتبر المُسلسل المُفضل لليمين المتطرف الأميركي (The New Republic)؛ وتُستحضر شخصياته وعمالقته في حملات الدعاية لأشهر المنتجات والسلع، وحتى في افتتاحيات مباريات كرة السلة الأميركية.

تدور قصة المسلسل حول مجتمع مُسوّر، يسكن وراء ثلاثة أسوار على التوالي (سينا، روز، ماريا) ويَعتبر أعضاؤه أنفسهم آخر من تبّقى من البشرية، بعد أن تم محقها. فقد هاجر الملك المؤسِّس إلى جزيرة نائية منذ أكثر من مئة عام، وبنى ذلك المجتمع فيها، وساعد سكانه  على الاستقرار، وأقام الأسوار، كي تحمي البشر الباقين من هجمات العملاقة، الذين تسبّبوا في فناء البشرية. وفي أحد الأيام، يقتحم عملاق مُدرّع البوابة الخارجية لجدار “ماريا”، ما يؤدي لسقوط كل المدن والبلدات داخل ذلك السور فريسةً لهجمات العملاقة، الذين يلتهمون سكانها، ومنهم أمُ “إيرين” بطل المسلسل، ما يدفعه لأن يُقسم على الدفاع عن البشرية، وابادة العمالقة عن بكرة ابيهم، ووسيلته لتحقيق هذا الانضمام لجيش “البشرية”، وخصوصا فيلق الاستطلاع، المُكلّف بمواجهة العمالقة خارج الأسوار.

وعلى عكس ما ظن كثير من “فانز” المسلسل، قام ايزياما بتفكيك النظرة القومية، وصراع الخير والشر، بدلا من تأكيده. وربما كان مصدر إلهامه القومية اليابانية الحديثة، فقد قضت اليابان قرونا طويلة في حالة من العُزلة، مُمتنعةً عن التجارة مع العالم الخارجي، أو حتى استقبال أي عناصر ثقافية مُخالفة، أوروبية أو اسيوية، حتى القرن التاسع عشر. وهذا الانغلاق قادها، في ثلاثينات القرن الماضي، إلى تطوير مبدأ التفوق العرقي (كوكوتاي نو هونغي)، أو مبدأ “الأمة”، إذ ينظر اليابانيون إلى الغربيين على أنهم ماديون في مجتمع فرداني، يعيش حالة من الحرب الدائمة، بين الروح والمادة. وبالتبعية، اعتبر اليابانيون بقية الآسيويين منحطين وضعفاء، خاضعين لهيمنة النظرة الثقافية الغربية، ومن هنا وجدت العنصرية اليابانية جذورها في الماضي الانعزالي، وفي ديانة “الشنتو” الحربية، إذ يقود الإله “تينو” Tenno (نموذج لكائن خرافي عملاق، صُنعت عملاقة المانغا على صورته) الشعب الياباني، لحماية الآسيويين، من الآخرين ومن أنفسهم، في مقابل إسهامهم ودعمهم للمجهود الحربي الياباني. وهذه كانت المُبررات الفلسفية، التي ساهمت في دخول اليابان الحرب العالمية الثانية، وفي النهاية هزيمتها، تحت سحابة القنبلة النووية.

يُساءل الكاتب تصوراتنا عن “نحن” و”العالم”: من هم “الآخرون” فعلا؟ أو كيف نُعرِّف أنفسنا، ونُعرِّف اعدائنا؟ وينتقل من المجتمع وصورته الذاتية إلى صورة الأعداء، وفكرتنا عنهم. المسلسل إذن في قلب كل صراعاتنا المعاصرة، فما الصورة التي قدّمها عن “حروبنا العادلة”؟ وهل أضاف شيئا جديدا لفهمنا لها، يبرر جماهيريته الفائقة؟

ميلاد القومية: ما سر حاجتنا للعمالقة؟

تحيا أخر بقايا البشرية داخل ثلاثة أسوار، يحمل كل سور منها اسما وشعارا يُميزه عن غيره، وينتمي كل مجتمع، داخل تلك الأسوار، إلى طبقة اجتماعية، فداخل السور الأول الملك وحاشيته، رجال الدين، وقادة الجيش، تحميهم قوات الشرطة العسكرية، الحائزة على سُلطات استثنائية؛ ويسكن داخل السور الثاني كبار التجار والقادة المُتوسّطين؛ أما في السور الأخير فيسكن المُزارعون والصيادون، وغيرهم من الفئات الأقل نفوذا وسلطة في “البشرية”.

أما العمالقة، المقبلون من وراء الجدارن، فهم كائنات دون بشرية، بربرية، لا تمتلك لُغة ولا ثقافة، تحاول فقط التهام البشر. وعلى الرغم من شكلهم البشري الخارجي، إلا أنهم لا يمتلكون أعضاء تناسلية، دلالة على العُقم، ويُمكن قتلهم فقط بقطع جزء من دماغهم الخلفي، حيث توجد المنطقة الأكثر بدائية وحيوانية من مخ الانسان. هذا العدو الوجودي المرعب، جعل البشر يتناسون اختلافاتهم الطبقية والإثنية، والامتيازات التي يملكها بعضهم دون الآخر، ويتوحّدون ضد العمالقة، ما يدفع كثيرا منهم للتطوّع في الجيش، مُضحين بحياتهم وحياة رفاقهم، فقط لحماية “البشرية”، و”الأرض” داخل الأسوار. وتدور أغلبية أحداث المسلسل داخل الثُكنات العسكرية لفيلق الاستطلاع، وتعرض علاقات الجنود فيها.

يشبه العدو الوجودي في المسلسل، الذي يستمر الصراع معه لمئة عام، حرب “المئة عام” بين فرنسا وانجلترا (1337-1453)، والتي كانت منطلقا لميلاد أولى أفكار القومية قبل الثورة الفرنسية. وتُعرَّف القومية عادة على أنها البوتقة التي تُصهر داخلها الفئات الاجتماعية والذوات الفردية، ويُمكن من خلالها الدفاع عن سيادة الهوية الجماعية، الناتجة عن هذا الصهر. كما أن الأُمة تتجاوز الكتل السُكانية التي تشكّلها، فهي ذات طبيعة وروح أكبر من مجموع الفئات والمصالح والمعتقدات، ولا تتأثر بالفواصل الاجتماعية ولا الطبقية والمناطقية، ولا حتى الإثنية.

التجانس القومي المُفترض للأمة، يعتمد، لتحقيق استقراره، على وجود عدو خارجي، يُهدد كيان الأمة السياسي، وإمكانية وجودها من الأساس. وقد شكّل وجود هذا العدو دافعا لميلاد القومية الفرنسية، التي أطاحت بالملكيّة، وأسست أول جمهورية تعتمد معيار “الإرادة العامة” General Will. أما في حالة ألمانيا، فقد كان الغزو الفرنسي للأراضي الألمانية، بقيادة نابليون بونابرت، مبررا كافيا لتجسيد الرومانسية الألمانية بهيئة أمة، عبّر عنها الشاعر أرنست موريتز أرندت بالقول: “دعوا إجماع قلوبكم يصبح كنيستكم، دعوا كراهية الفرنسيين تصبح دينكم، دعوا الحرية وأرض الآباء تصبح قديسيكم، الذين إليهم تُصلّون“. ذلك العداء الوجودي للفرنسيين صار غاية بحد ذاته، إذ يقول الجنرال فريدريك فون بيرنهاردي: “بدون حرب، سوف تقضي الأعراق الأدنى والأكثر رثاثة على النمو الصحّي للأجيال الجديدة، وفي النهاية سوف يتدنّى وينهار كل شيء“. إنها حرب من يملكون لغة أصلية، مقابل من لا يملكون لغة، كما وصف الفيلسوف الشهير يوهان فيتشه اللغة الألمانية ومتكلّميها.

إلا أن ذلك العداء لم يكن موجّها فقط لغاية محاربة العدو، بل كان الدافع الأبرز للبحث عن “الأنا” الخاصة بالأمة، وذلك في اللغة، وكذلك في السمات الثقافية والعرقية المشتركة بين السكان. وهو ما نلحظه بشكل واضح في تشكّل كل من الأمتين الألمانية والفرنسية.  

كل تلك العناصر تُعرض بشكل ممتاز في مسلسل “هجوم العمالقة”، إذ يفهم الناس أنفسهم بوصفهم “بشرا” بالمقارنة مع العملاقة؛ يتغاضون عن الحكم الطبقي الديكتاتوري في “البشرية”، لضرورات تماسكها في وجه العمالقة؛ كما يمنعون أي شخص من الحديث عن الفروقات الاجتماعية، أو المطالبة بأي حق، وقت المعركة والأزمات.

طقوس الأضحية: هل يمكننا اكتشاف العدو الحقيقي؟

بعد اقتحام أول الأسوار الخارجية، في الحقلة الأولى، يتجه المسلسل صوب البحث عن سر العمالقة. من أين أتوا؟ وما ماهيتهم بالضبط؟ لنكتشف، على امتداد مواسم المسلسل، أن العدو في الحقيقة لا يختلف عنّا؛ وأن العمالقة بشر، لديهم قدرة التحوّل؛ وأن من بدأ العدوان، في بدايات الانمي، هم أصلا جنود متخفّون وسط فيلق الاستطلاع. هذه المعرفة بغياب العدو النقي، دفعت الجيش للانقلاب على الملك، وتعيين بديل عنه. إلا أن وهمية العدو لم تدفع ضباط الجيش للتخلّي عن ضرورة تحشيد “البشرية” ضد أعدائها، وإنما كان انقلابهم لتعيين العدو “الحقيقي” و”الواضح”، بدلا من العدو “المزيف”.

في كتابه “وهم الهوية”، يشرح لنا الفيلسوف الفرنسي جان فرنسوا بايار، أن الوقائع السياسية ليست معطيات ثابتة ونهائية، أي أنها ليست كائنات فيزيائية، أو مُحددة سلفا بشكل نهائي، لكن لها محددات فكرية وعاطفية ورمزية في كل مجتمع. أي أن المجال السياسي أشبه بمسرح، يتم فيه تتبّع أفعال الناس، وصداها، وطريقة فهمها وإدراكها وتفسيرها. ومن أهم مواضيع ذلك المسرح  “صناعة العدو”، بكل ما تتضمّنه من آليات.

لظاهرة “صناعة العدو” أصولها التاريخية، ففي عصور ما قبل التاريخ، كانت الجماعات البدائية تقوم بتقديم القرابين والتضحيات البشرية والحيوانية، بوصفها رمزا لقتل عدوها، سواء الداخلي أو الخارجي، ما يجعلها أقلّ عُرضة للانقسامات القبلية، ويساعدها على توحيد الجماعة، وإعادة بنائها مرة بعد مرة، وتخليصها من روح الانتقام، والنزعة التدميرية البشرية.

يقول عالم الاجتماع الفرنسي أميل دوركهايم”: “حين يعاني المجتمع، يشعر بالحاجة لأن يجد أحدا، يمكنه أن يعزو إليه ألمه، ويستطيع أن ينتقم عبره من خيبات أمله“. هنا تتحوّل روح الانتقام ونزعة التدمير إلى “آخر” اجتماعي خارجي، وإذا تعذّر وجوده، يتم إنتاج أضحية اجتماعية محلية (اليهود في حالة حكم الرايخ الثالث في ألمانيا)، وإلحاقها بإسطورة خارجية أكبر (مؤامرة سيطرة المرابين والرأسماليين اليهود على العالم).

نجحت المجتمعات الحديثة في استثمار روح الانتقام البدائية القبلية في بناء قوميات حديثة، وفي توجيهها من خلال “إرادة سياسية”، فالتحديد الحديث للعدو بحاجة إلى قرار سياسي حصرا، كما يوضح الفقيه القانوني والفيلسوف الألماني كارل شميت، في كتابه “النظرية السياسية”: الملك/السياسي هو من يملك سيادة القرار، وهو من يمكنه فرض حالة الاستثناء، والتمييز بين العدو والصديق. وكما توجد مقاييس للتمييز بين الخير والشر في الأخلاق؛ والجميل والقبيح في الجماليات؛ والنافع والضار في الاقتصاد، فإن العدو والصديق هو تمييز “السياسي” الوحيد، والدولة الحديثة هي فقط من يمتلك الشكل الأكثر اكتمالا لتسمية العدو ومحاربته. كذلك يرى شميت أن الانهيار السياسي يأتي حصرا نتيجة الشلل الدستوري في تعيين العدو والصديق، وهو ما حصل خلال الرايخ الألماني الثاني، ومن ثم جمهورية فايمر بعد الحرب العالمية الأولى.

تقوم الأنظمة العربية الديكتاتورية اليوم بتعيين عدو خارجي، إما متعيّن كما في حالة إسرائيل مثلا؛ أو مُجرّد، مثل “الغرب” و”الرجل الأبيض”، أو مؤامرات الحلف الصهيومسيحي، و”حروب الجيل الخامس”، كي تستمر في كونها الضابط الوحيد للجماعة البشرية المحكومة، وإعطاء مواجهة العدوان الوجودي كل الأولوية، وجعله فوق أية اعتبارات حقوقية أو طبقية. وقد أثبتت التجربة التاريخية أن الناس عندما يفقدون الايمان بـ”العدو”، يحتجّون بشدة على الظروف السياسية والاقتصادية، كما حدث مثلا إبان ما يُعرف بـ”الربيع العربي”، والذي ارتكبت الأنظمة الحاكمة خلاله جرائم بحق مواطنيها، تفوق أي جرائم ارتكبتها إسرائيل، أو غيرها من الأعداء.

إلا أن الغريب أن “الثوار” أنفسهم سرعان ما يعودون طائعين للإيمان بالعدو، سواء كان عدوا جديدا، اخترعوه هم؛ أو عدوَ حكّامهم القديم. وهو ما أثبتته تجربة “ما بعد الربيع العربي” حتى يومنا هذا. ألا يمكننا العيش بدون عدو؟ أو بالأصح، ألا يمكننا التعرّف على ذواتنا في غيابه؟

الحرب النهائية: هل يمكننا قتل “العملاق المؤسِّس”؟

يذهب “إيرين”، بطل المسلسل، إلى قبو المنزل، الذي أسسه أبوه، فيكتشف سر العمالقة، وأصل العدو الوجودي: الملك، الذي أتي للجزيرة وأسس الأسوار، عمد إلى تغييب ذاكرة السُكّان، وإشاعة أسطورة العمالقة الأعداء، الذين أبادوا البشرية، كي يدفع الناس للاحتماء بالأسوار. أما الحقيقة فهي وجود صفقة بين ملك الجزيرة المؤسِّس للأسوار (وهو في الأصل عملاق، ويمتلك شعبه إمكانية التحول إلى عمالقة) وبين عائلة ذات نفوذ، تسيطر على “قارة” خارج الجزيرة؛ وكذلك أن الحرب بين الناس، داخل الاسوار وخارجها، وتهديد العمالقة، جاء تحديدا لصالح السيطرة على موارد الجزيرة. هذه الحقيقة سوف تجعل “إيرين” يستخدم قوة العملاق المؤسِّس، التي توصّل إلى سرها، من أجل القضاء على سكان القارة، وإنهاء العداوة، التي يعود أصلها لما يقارب الألفي عام، إلا أنه في الواقع يقضي على نفسه. لا تنتهي العداوة والحرب إلا بموت “العملاق المؤسِّس”، وموت إيرين كذلك، وكأن نهاية المعركة الأبدية تعني نهاية الذات.

يقدم الجزء الأخير من “هجوم العمالقة” مثالا عن إمكانية تفكيك العداوة وإلغائها، إذ أن تحوّل أيرين إلى “العملاق المؤسِّس”، ونيته شن حرب نهائية ومُطلقة ضد “القارة”، التي تآمرت ضد قريته، وتسبّبت في مقتل والدته أمام عينيه، كانت في الواقع أشبه بدرس، لأصدقائه وخصومه؛ وكان موته أشبه بدعوه مفتوحة لجميع الأطراف المُتخاصمة للتفاوض والبحث عن حلول دبلوماسية، حتى لو احتفظوا بتنافسيتهم تجاه الآخر، وولاءاتهم الضيقة.

يغوص ايزياما داخل شخصيات أبطال العمل، ويعرض لنا مدى تشتتهم بين أصدقائهم وأعدائهم، وكيف أنهم يتشابهون جميعا في النهاية. لديهم عائلات وأهل، يقاتلون مضطرين لأجل تحسين ظروفهم، وخلاصهم الوحيد كان في التحالف ضد “العملاق المؤسِّس”، وحش الانتقام والتدمير؛ وتغيير الظروف المعيشية داخل الجزيرة وخارجها. لكن المؤلّف أكثر واقعية مما يظن كثيرون، فبالنسبة له لن تتوقف العداوة قريبا، وانتهاء الحرب الآن لا يعني نهاية الحروب والصراعات إلى الأبد، وإنما مجرد خطوة في طريق طويل.

في كتابه “صناعة العدو.. أو كيف تقتل بضمير مرتاح؟” يشرح الباحث والدبلوماسي الفرنسي بيير كونيسا كيفية بناء الأسوار الاجتماعية، وتعزيز القوميات والولاءات القبلية، ومؤخرا السياسية، من خلال تعيين عدو وتسميته، وتأسيس حلقات من الرموز والأساطير حول جماعتنا وجماعة ذلك العدو. ثم يناقش في نهاية الكتاب خبرات عن تفكيك الديكتاتوريات والأسوار، من خلال تصفية العداوات، ذاكرا أمثلة عن ذلك، ومنها “الصفح” بين الدول المتحاربة، بعد إقصاء أنظمتها الحاكمة، ومحاكمتها مباشرة بعد هزيمة عسكرية، كما في حالة ألمانيا النازية واليابان؛ أو وربط الشعوب بروابط اقتصادية وسياسية ديموقراطية أكبر، كما في حالة الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع؛ أما في حالة دول الجنوب، المتحررة من سلطة الاستعمار، يقترح كونيسا الاستفادة من خبرات لجان “الحقيقة والعدالة والمصالحة”، التي تعمل لصالح “العدالة الانتقالية”، من خلال الربط بين الحقيقة، والمصالحة الوطنية، والانتقال الديموقراطي والسلمي.

إلا أن الحل الذي يقدّمه “هجوم العمالقة” يبدو أكثر عمقا من حلول الدبلوماسيين والسياسيين، المختصين بـ”إدارة النزاعات”: عندما تكتشف أن العدو “وهمي”، وتفشل بإنتاج عدو “حقيقي”، فربما الأفضل أن تقتنع أيضا بـ”وهمية” ذاتك أيضا. وعندما يمكنك فعلا أن تشن “الحرب النهائية”، والتي لن تكون إلا تدمير الأسطورة المؤسِّسة للحرب اللانهائية. عندها فقط قد يخرج الناس من أسوارهم، ليواجهوا مشاكل أقلّ ملحمية مما كانت تعيّنه لهم الأسطورة، ولكنها قد تكون قابلة للحل. ماذا سيجد الناس خلف الأسوار؟ لا نعرف بالضبط، ولكن بالتأكيد ليس الجنة أو الجحيم.   

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
4.8 6 أصوات
تقييم المقالة
1 تعليق
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات
عرفان
1 شهر

منذ نصف ساعة انتيهت من مشاهدة فلم “poor things”
و بالمصادفة قرأت مقال الأستاذ مصطفى عنه، أعجبني الربط بين العمل و ما بعد الحداثة
دفعني مقاله للدخول لاسمه و سرعان ما بدأت بقراءة المقال عن أنمي هجوم العمالقة
مقال ممتاز، مشكور أستاذ مصطفى على الجهد