من “لا محمد لا مكة” إلى “سبيروسباتس”: هل للمقاطعة الاقتصادية أي جدوى؟

من “لا محمد لا مكة” إلى “سبيروسباتس”: هل للمقاطعة الاقتصادية أي جدوى؟

عقب اندلاع الأحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أو ما يُعرف باسم “طوفان الأقصى”، لجأ الاحتلال الإسرائيلي لقصف المدنيين عشوائيا في قطاع غزة، واقتحام مدن وبلدات الضفة الغربية، وممارسة العنف والاعتقال التعسفي ضد المواطنين الفلسطينيين، ما أدى إلى تنظيم تظاهرات حاشدة في عديد من العواصم العربية، من القاهرة وبغداد وبيروت وعمّان، وصولا إلى الرباط. ثم تحوّل الانتباه، في نهايات شهر تشرين الأول/أكتوبر، صوب ممارسة سياسية أخرى، وهي “المقاطعة”، لتبدأ حملات مقاطعة العلامات التجارية الكبرى، مثل “ماكدونالدز” وستاربكس” و”كوكاكولا”، وغيرها من السلع “الاستهلاكية” المشهورة؛ وبالمقابل، الدعوة لتبنّي علامات محلية موازية لها، بداية من المياه الغازية وحتى الملابس. تُرجمت هذه الحملة في مصر الي شعار “سبيروسباتس”، وهي علامة تجارية محليّة للمشروبات الغازية، كانت قد اشتهرت خلال النصف الثاني من القرن الماضي، لكنها تعرّضت منذ التسعينات لعديد من المشاكل، وغابت عن المنافسة في سوق المشروبات الغازية، الذي تسيطر عليه العلامات الكبرى، مثل كوكاكولا وبيبسي، قبل أن تعود في العام 2019. وتحت تأثير الأحداث والموقف الشعبي المُتبني للمقاطعة، سطع نجم الشركة من جديد، وعادت من رقادها، مع توقّع شعبي بأن تستطيع السيطرة على السوق وحدها، وهو ما تنفيه إمكانياتها وقدراتها المادية والبشرية.

تُصنف المُقاطعة بأنها أداة سياسية مدنية لا عنيفة، يلجأ لها الأفراد والجماعات السياسية والقومية وحتى الدولية، لمواجهة خصم سياسي أو عدو، بغرض الضغط الاقتصادي عليه، وتعريضه لإمكانية الإفلاس، وتهديد هوامشه الربحية، ما يدفعه لتعديل مواقفه السياسية؛ أو التوقّف عن دعم حليف له، يرتكب عدوانا أو أفعالا غير قانونية أو أخلاقية، وهو ما يُعرف بـ”المقاطعة من الدرجة الثانية”، ومنها المقاطعة التي نشهدها في الظرف السياسي الحالي.

ولكن ما مدى فعالية المقاطعة، بوصفها سلاحا في الصراع السياسي عبر التاريخ؟ وما هي خبرة الشعوب عربية فيها؟ وهل السوق العربية قادرة على التأثير على الشركات الكبرى؟ وما نتائج المقاطعة حتى الآن؟

Boycott: التاريخ السياسي الحديث للمقاطعة

ينقسم التاريخ الحديث للمقاطعة إلى مرحلتين تقريبا، الأولى من نهاية القرن الثامن عشر إلى نهاية القرن التاسع عشر، وهي متعلّقة في المقام الأول بممارسة فاعلين سياسيين مستقلين (نقابات، اتحادات، أحزاب، تجمعات مُستهلكين)؛ أما المرحلة الثانية فتطوّرت منذ بداية القرن العشرين، بالارتباط بحركات التحرر الوطني، المطالبة بحق تقرير المصير في أغلب البلدان المُستعمرة، مثل الهند وجنوب إفريقيا وغيرها، لكنها تلاقت أيضا مع دعم فاعلين سياسيين، سواء داخل بلدان المُستعمِر أو خارجها، من أجل حشد الدعم الكافي، وقطع تدفّق المبيعات، وتحصيل الأرباح حول العالم.

دخل المصطلح “Boycott”، المعبّر عن المقاطعة إلى اللغة الإنجليزية، بعد واقعة شهيرة، حدثت عام 1880 في أيرلندا، في فترة ما يُعرف باسم “حرب الأرض” land war، وفيها تضرّر الفلاحون ومُستأجرو الأراضي الزراعية، خلال الموسم الزراعي، من تقلّبات الطقس، وأمراض أصابت مزروعاتهم، فغرقوا بأزمة مالية، ولم يستطيعوا دفع الإيجار لمالكي الأرض، الذين تنازلوا عن 10 بالمئة من الإيجار، لكن المُستأجرين رفضوا القبول بأقل من نسبة 25 بالمئة تخفيض، فتدخّل الكابتن تشارلز بويكوت Charles boycott، أحد مديري الأراضي، وهدد عشرة مُستأجرين بالطرد، عندها اقترح أحد المُستأجرين، وهو تشارلز ستيورات بارنيل Charles Stewart Parnell عدم اللجوء إلى العنف في مواجهة هذا، وإنما اتباع تكتيك جديد، يقضي بالانقطاع عن العمل في كل الأراضي، وعدم دفع الإيجارات. تدريجيا وجد بويكوت نفسه معزولا بالكامل، لا يجد خدما للعمل في منزله أو إسطبله، ولا يستطيع توظيف فلاحين جدد، للعمل على حصاد المحصول، بل حتى لم تعد الرسائل تصله، لأن سعاة البريد امتنعوا عن خدمته. تبنّت الصحف العالمية، مثل “The Times” و”The Daily News” وغيرها، لفظة “بويكوت”، المأخوذة من اسمه، بوصفها إشارة لأداة سلمية ناجحة للمقاومة، وجرى تقديمها إلى العالم.

رسم كاريكاتيري لتشارلز بويكوت

خلال القرن العشرين، سُجلت عشرات حملات المقاطعة حول العالم، ومن أشهر أمثلتها ثلاث حركات: الأولى حركة المقاطعة الهندية “سواديشي”، التي انطلقت مطلع القرن الماضي، تحت تأثير الخطط البريطانية لتقسيم منطقة البنغال لشرق مسلم وغرب هندوسي. وكانت الحركة جزءا من حركة الاستقلال الهندية، وتهدف بالأساس إلى مقاطعة البضائع البريطانية الواردة للهند، واعتماد اقتصاد وطني محلي خالص، وهي الحركة التي دعمها غاندي خلال الثلاثينات من القرن الماضي، مع “مسيرات الملح” التي دعا إليها، و”حركة إحراق الملابس المستوردة”، التي شجّعت على تخصيص ساعات من اليوم، ينسج فيها الهندي ملابسه بنفسه، بدلا من احتكار بريطانيا للقطن المحلي، وإعادة تصديره علي هيئة منسوجات غالية الثمن. وتنوّعت حركات المقاطعة الهندية، من مقاطعة الملابس، إلى مقاطعة المدارس البريطانية، ثم البنوك والشركات، وغيرها من وسائل الهيمنة الاقتصادية والسياسية والثقافية على الهند، ونجحت بالضغط على بريطانيا، وتأسيس بذور اقتصاد هندي وطني خالص، سمح باستمرار المقاطعة، وتقوية موقف الفاعلين السياسيين، داخل البلد وخارجه، وصولا لاستقلال الهند عام 1947.

الحركة الثانية هي حركة مقاطعة البضائع الألمانية عام  1933، فمع وصول هتلر لحكم ألمانيا، في الثلاثين من كانون الثاني/يناير من العام 1933، تصاعدت الأعمال الانتقامية ضد اليهود، وضد مصالحهم الاقتصادية، ما دعا الاتحاد المركزي لليهود الألمان، المعروف اختصارا بـ “CV”، بالتفكير في مقاطعة البضائع الألمانية، ودعوة كل المؤسسات اليهودية في أوروبا والولايات المتحدة لتصعيد حركة المقاطعة في بلدانها، وحشد كل القوى الليبرالية والتقدمية، للاعتراض سياسيا ضد حكومة الرايخ الجديدة، ما سبّب حالة من القلق، من قِبل رُعاة هتلر والحزب النازي من رجال الأعمال، الذين استشعروا خطر المقاطعة، التي بدأت في الولايات المُتحدة، فقرروا التقارب من الاتحاد الصهيوني في ألمانيا، ومطالبته بمعارضة الموقف اليهودي العام، الذي شكل الأغلبية وقتها. وهكذا تبنّى الاتحاد الصهيوني موقف معارضة مشروع المقاطعة، ودعا إلى انسحاب اليهود من الحياة السياسية الألمانية، والهجرة إلى فلسطين.

استمرت المقاطعة في الولايات المُتحدة منذ 1933 حتى العام 1941، لكنها لم تنجح في وقف اعتداء النازيين على اليهود في ألمانيا، الذي أخذ في التصاعد حتى ارتكاب الهولوكوست. ويمكن تعيين سببين لفشل حملة المقاطعة ضد المنتجات الألمانية، الأولى معاداة فاعل سياسي مهم (الاتحاد الصهيوني) لحركة المقاطعة، بل وعقده اتفاقية مع الحزب النازي، عُرفت باسم اتفاقية “الهفارا” Haavara (التهجير)، والتي تقضي بتهجير ستين ألفا من اليهود الألمان إلى فلسطين، على أن يقوموا بتصفية رؤوس أموالهم وممتلكاتهم في ألمانيا، وشراء بضائع ومنتجات ألمانية محليّة، ونقلها الي المستوطنات في فلسطين. جاءت تلك الاتفاقية لصالح تنشيط الاقتصاد الألماني الوطني، الذي يُديره الرايخ الثالث، والقادر على تحمّل أي مُقاطعة غربية، في مقابل تخلّي الصهاينة عن موقف المقاطعة، وإضعافه.

الحركة الثالثة هي حركة مقاطعة دولة الأبارتهايد (جنوب إفريقيا)، ففي العام 1959، اجتمع عدد من السياسيين الجنوب إفريقيين، مُمثّلين في لجنة المنظمات الأفريقية (CAO)، مع مجموعات من الطلبة والمنفيين في لندن، للبحث عن بديل سياسي فعّال ضد دولة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، بعد أن قُمعت كل التظاهرات والحراك الشعبي طول عقد الخمسينات، لتنجح الحركة في بداية الستينات بإقناع طيف واسع من الأحزاب، مثل حزب العمال البريطاني، والحزب الليبرالي؛ وعدد من النقابات، مثل نقابة عمال المناجم في جنوب ويلز، بتبني حركة مقاطعة البضائع الجنوب إفريقية. ثم تحوّلت مقاطعة دولة الأبارتهايد لحملة مقاطعة عالمية، أدت إلى توقّف صادرات الفاكهة والسيجار الجنوب إفريقي. استمرت حركة المقاطعة خمسة وثلاثين عاما، وهي الأكبر في التاريخ السياسي البريطاني، وشارك فيها فاعلون سياسيون من جميع التوجّهات، ما سبّب خسائر اقتصادية وسياسية فادحة لنظام الفصل العنصري، وساهم في النهاية بتفكيكه.

نلاحظ من هذه التجارب الثلاث وجود عاملين، يمكنهما أن يُنجحا حركة المقاطعةـ أو يُفشلاها: الأول هو الشرط السياسي، أي تضامن عدد كبير من الفاعلين السياسيين، والتجمعات النقابية والعمالية والاستهلاكية في الداخل والخارج؛ والثاني هو الشرط الاقتصادي، الذي تتم ضمنه عملية المقاطعة، فإذا كان المقاطعون قادرين على إنشاء اقتصاد محلي بديل، تنجح حركتهم غالبا، كذلك إذ استطاعت الدولة أو الجهة، التي تتم ضدها المقاطعة، الاستغناء عمّن يقاطعونها، فإننا لن تتأثر بالمقاطعة. ماذا عن هذين الشرطين في الحالة العربية المعاصرة؟  

“لا محمد لا مكة”: نضال “مشايخ المقاطعة”

اندلعت في أيلول/سبتمبر من العام 2000 الانتفاضة الفلسطينية الثانية، والتي بدأت بدخول أرييل شارون لباحات المسجد الأقصى في القدس، وتطوّرت لتشهد كثيرا من الاقتحامات والعمليات العسكرية، التي نفذها إسرائيل ضد مدن ومخيمات الضفة وغزة، ما أدى إلى مقتل وإصابة آلاف الفلسطينيين، وهو ما استدعى حالة من التضامن الواسع في الشارع العربي، واندلاع التظاهرات الحاشدة، إضافة لدعوات كثيرة للمقاطعة.  

جاءت تلك المقاطعة ضد البضائع والعلامات الأميركية في المقام الأول، نظرا لما اعتبره المقاطعون لا محدودية الدعم الأميركي للعمليات الإسرائيلية في مناطق نفوذ السلطة الفلسطينية، وجرى إعداد قائمة سوداء بالمنتجات الأميركية الاستهلاكية الأشهر، مثل مساحيق الغسيل (إريل، تايد) وألعاب الأطفال (دمى باربي)، وأطعمة الوجبات السريعة (كنتاكي، ماكدونالدز)، وعلامات المشروبات الغازية (كوكاكولا، بيبسي)، وتحت شعار “قاطعوا من يقتلون أطفالنا في فلسطين، قاطعوا البضائع الأمريكية والإسرائيلية” شُكلت لجنة قومية لمقاطعة المنتجات الأميركية، تقوم بإضافة وتحديث قائمتها السوداء من البضائع الأميركية المستوردة، لتتلاقى جهود تلك اللجنة مع مجالس الغرف التجارية وشعب التصنيع المصرية، التي أعلنت التوقّف عن استيراد أي منتج أميركي أو إسرائيلي، يدخل في تصنيع أي منتج مصري.

على الجانب الأخر، قادت جهات إسلامية حملات شعبية لمقاطعة البضائع الأميركية في مصر والبلاد العربية، من خلال نشر عدد من الشائعات، مثل أن شعار كوكاكولا هو في الحقيقة محاولة مستترة للتصريح بموقف ضد المسلمين، يتلخّص بعبارة “لا محمد لا مكة”، التي يمكن رؤيتها عند قراءة شعار كوكاكولا بالمقلوب؛ أو أن شعار بيبسي pepsi هو الحروف الأولى  من عبارة  Pay every pound ,save Israel (ادفع كل جنيه للحفاظ على إسرائيل)؛ أو حتى أن الدجاج المستخدم في وجبات كنتاكي، لم يُذبح على الطريقة الإسلامية. وهي إشاعات أطلقها ما عُرف صحفيا باسم “مشايخ المقاطعة”.

لم تنجح حركة المقاطعة في النهاية، ولم تكبّد الشركات الأمريكية خسائر مليارية، كما كانت تدّعي الصُحف الحكومية يوميا، وتدريجيا ظهر متشككون في جدوى المقاطعة أصلا، وكانت لشكوكهم أسباب مقنعة، فمنذ حرب الخليج الثانية، وإسقاط جزء من الديون المصرية، اتجهت مصر لبناء احتياطي نقدي جديد من الدولارات، تحت إدارة رئيس البنك المركزي وقتها فاروق العقدة؛ كما اتجه معدل النمو في مصر للانطلاق تصاعديا منذ أول التسعينات، حتى وصل ذروته خلال أول الألفية الثالثة. وفي بلد يبنى نموه على التفاعل مع السوق الدولي، وعلى رأسه الاقتصاد الأميركي، يصعب الحديث بشكل جدي عن مقاطعة أميركا.

فشلت حركة المقاطعة، منذ الانتفاضة الثانية، وحتى ما بعد العزو الأمريكي للعراق عام 2003، لسببين: الأول غياب فاعلين سياسيين محليين، يقومون بالتنسيق مع فاعلين في الخارج، واقتصرت الحملات فعليا على دعاوى شعبوية، اسلامية وناشطية، تنتمي لفعاليات نقابة الصحفيين والمحاميين؛ أما السبب الثاني فهو أنه مع زيادة معدّل النمو المصري، أخذ الاقتصاد المحلي بالاندماج في الاقتصاد العالمي تدريجيا، فانتظمت مصانعه وشركاته في خطوط الإمداد العالمية  supply chains الآخذة في التعقيد والتشابك، بين المورّدين والمصنّعين والمموّلين حول العالم، وهو ما استدعى أيضا نمطا معيشيا مختلفا عن فترة الثمانينات والتسعينات، حينما كانت الطبقة الوسطى مأزومة ومقيّدة الاستهلاك. لتنتهي الحملات كما بدأت، بدون تأثير يذكر.

“سبيروسباتس”: عندما خسرت ستاربكس عشرين مليارا

باندلاع الحرب، وتفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، بدأت حملة المقاطعة مرة أخرى، وإنما تحت شعار: “شجّع المنتج المحلي”، لتأخذ صفحات التواصل الاجتماعي في تحديد علامات المُقاطعة، والتي لم تختلف هذه المرة عن التسعينات وأول الألفية، ولكن زادت عليها علامات وسلع جديدة، مثل سلسة مقاهي “Starbucks”، وعلامات ملابس مثل “Zara” وغيرها.

لم تنتشر، حتى الآن، إشاعات شعبوية دينية، على نمط “لا محمد لا مكة”، ولكن ظهرت أخبار عن خسارة شركات كبرى، مثل ستاربكس، لما يقارب 20 مليار دولار أميركي، نتيجة لحركة المقاطعة الشعبية؛ وخسارة شركة ماكدونالدز ما يقارب 12 مليار دولار. وهذه الأرقام لم يصدّرها المشايخ فقط هذه المرة، أو رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بل أكدها أيضا صحفيون، وحتى مراكز بحثية، مثل “مركز السياسات البديلة”، التابع للجامعة الأميركية في القاهرة، ما يعطي شعورا بالانتصار، والنجاح بتقديم دعم شعبي وسياسي حقيقي لغزة.

إلا أن التدقيق بهذه الادعاءات والأرقام يكشف زيف ذلك الشعور، فالمقاطعة بدأت تحديدا في نهاية تشرين الأول/أكتوبر، فيما لم تُنشر الشركات المُستهدفة بعد البيانات ربع السنوية عن نهاية العام الحالي (الفترة من تشرين الأول/ أكتوبر، وحتى نهاية كانون الأول/ديسمبر) والتي يمكن منها فقط تحديد إيرادات ومصروفات وأرباح أي شركة، وأيضا خسائرها، وبدون تلك البيانات لا معنى للحديث عن “نتائج المقاطعة” أو “نجاحها”.

وعند البحث فيما وراء رقم 20 مليار، الذي قيل إنه خسارة شركة ستاربكس نتيجة المقاطعة، يتضح أن الرقم مُقيّم بأداء سهم الشركة في بورصة “وول ستريت”، حيث انخفضت قيمته، من قمّته عند 108 دولار لكل سهم، لتصل إلى 96.75 دولار، في السادس عشر من كانون الأول/ديسمبر (تاريخ كتابة المقال). هذه الخسارة تُعرّف في عالم البورصة بوصفها “خسارة غير مُحقّقة”، أي أنها لم تتحقق على أرض الواقع، بل نتيجة تقلبات عرضية في البورصة، والأدهى أن سهم ستاربكس كان أداؤه جيدا، بداية من تشرين الثاني/نوفمبر (أي مع انطلاق حملة المقاطعة)، وحقق مكاسب هائلة، لينتقل من قيمة 90 دولارا للسهم، وصولا لـ108 دولار، في نهاية الشهر نفسه. هذا يعني أن الخسارة المليارية المُدّعاة هذا الشهر، أقل من مكسب السهم في الشهر الماضي.

مؤشر سهم ستاربكس في بورصة وول ستريت

تمتلك الشركة ما يزيد عن 24 ألف متجرا حول العالم، تتركز غالبيتها في الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وأوروبا والصين، وتأتي الدول العربية في مؤخرة القائمة. وبالتالي يصعب أن تتأثّر بقرارات المستهلكين العرب.

من جهة أخرى، تأتي حملة المقاطعة هذه المرة في ظرف اقتصادي خانق، يعيشه المصريون، وسط تضخّم جاوز نسبة 70 بالمئة على أساس سنوي، وتخفيض رابع مرتقب للعملة خلال عامين، وارتفاع معدلات خدمة الدين للناتج المحلي الإجمالي إلى نسبة غير مسبوقة. كل تلك الظروف أدت لانخفاض استهلاك الأسر والأفراد في مصر، نتيجة لانخفاض دخولهم. ومع مقاطعة عدد من السلع الأساسية، ازدادت أسعار السلع المحليّة البديلة، بما يجاوز المئة بالمئة، وأحيانا المئة والخمسين بالمئة، فالسلع والمواد الخام شحيحة أصلا، ويعجز المستوردون عن استيراد مدخلات إنتاجهم المحلية بالأساس، ما يؤدي لوقوعهم تحت استغلال المورّدين، وتعطيش الأسواق الضعيفة بالأصل.

الظرف الاقتصادي المصري يشابه كثيرا من الظروف الاقتصادية في البلدان العربية الأخرى، مثل لبنان وتونس والأردن والمغرب، فيما يكاد ينعدم وجود أي تنظيمات نقابية، أو قوى سياسية منظّمة، أو فاعليين اجتماعيين على الأرض، قادرين على التأثير.

ربما كان سلاح المقاطعة، في الشرط الاقتصادي والسياسي العربي الراهن، غير فعّال، والأجدى التفكير بما هو مؤثّر بشكل جدّي لوقف الحرب والتضامن مع غزة، كي لا يتحوّل الأمر مجددا إلى حالة شعبوية دينية/خرافية، تتطيّر من “لا محمد لا مكة”.

مراجع

  1. Sharp73-ch5.pdf (bmartin.cc)
  2. Swadeshi Movement and Boycott Movement (1905-1908) – UPSC Modern History Notes – Edukemy
  3. N.R. Channakki, Swadeshi Movement in Hyderabad, India (1905-1911)
  4.  Boycott Movement – Learn about the history of the Boycott Movement (aamarchives.org)
  5. Number of Starbucks Stores Globally, 1992-2021 – knoema.com
  6. 1933 Anti-Nazi Boycott (jewishvirtuallibrary.org)
  7. Transfer Agreement the Dramatic Story Of Hardcover – January 1, 1999
  8. ملاك شركة «سبيرو سباتس»: نكسة 67 غيرت مسارنا وحرب غزة منحتنا قبلة الحياة | المصري اليوم (almasryalyoum.com)
  9. تجّار المقاطعة في مصر: أداة للثراء الفاحش (antibk.info)
  10. Lenni Brenner: Zionism in the Age of the Dictators (Chap. 5) (marxists.org)
  11. شركة واحدة خسرت 20 مليار دولار بسبب تواطئها مع إسرائيل.. كيف أثرت حملات المقاطعة على اقتصاد تل أبيب (cairo24.com)
  12. عرض المقال (bibalex.org)
  13. عرض المقال (bibalex.org)
  14. عرض المقال (bibalex.org)
  15. د. رباب المهدي تناقش أهمية وتأثير المقاطعة الاقتصادية (youtube.com)
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
3.9 11 أصوات
تقييم المقالة
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات