“ولاد رزق 3”: هل غيرت هيئه الترفيه السعودية من “طبخة الحارة المصرية”؟

أخيرا، وبعد خمس سنوات من إسدال الستار على الجزء الثاني من فيلم “أولاد رزق 2″، صدر الجزء الثالث من الفيلم، من إنتاج “هيئة الترفيه السعودية”، وأثار كثيرا من الجدل فور صدوره، لاقترابه من كونه أكثر فيلم تحقيقا للإيرادات في تاريخ السينما المصرية، فقد حقق حوالي 21 مليون دولار منذ عرضه، بتكلفة قدّرت بحوالي 8 ملايين دولار. ويبقى السؤال: هل يتفوّق الفيلم على الفيلم اللبناني “كفر ناحوم”، الذي يظلّ صاحب أعلى إيرادات لفيلم عربي في التاريخ، برصيد يبلغ حوالي 68 مليون دولار، بعدما عرض في سينمات فرنسا وأميركا، وترشّح لجائزة لأوسكار سنة صدوره؟
وسواء تجاوز “أولاد رزق” فيلم “كفر ناحوم” أو لا، تبدو الأسئلة الأهم هنا: هل نجحت رهانات الاستثمار السعودي في السينما المصرية، أم كان تأثيرها سلبيا؟ ولماذا الاعتراض، سواء كان “فنيا” أو “وطنيا”، على تغيّر في صناعة السينما العربية، قد يكون لمصلحة الجميع؟
تسير سلسلة أفلام “أولاد رزق”، لمؤلفها صلاح الجهيني، علي سير أفلام “الفرانشايز” العالمية، مثل “جيمس بوند”، “المنتقمون”، “المهمة المستحيلة”، في تكوين صورتها الذهنيه عند الجماهير، أي بناء علامة تجارية من الشخصيات والرموز والصور والمواقف، يمكن استخدامها في أكثر من سياق، وفي سلاسل متعددة. فالجهيني مثلا، لثالث مرة علي التوالي، يتّبع اسلوبا معينا في السرد، ويكرره، وهو ببساطة اختطاف أحد افراد فريق “أولاد رزق”، ثم يستخدم ذلك “الطعم” أسلوبا كي يحكي قصته، المألوفة للجمهور، وهكذا يسير الفيلم، مقدّما الأحداث من منظور الشخص المخطوف، وأثناء ذلك، يُفاجئ الجماهير بالكثير من الأكشن، والالتواءات في الحبكه (بلوت تويست).
يستخدم صلاح الجهيني هنا تفصيلة يمكن أن يصنّفها البعض عيبا، ولكنها، من منظور آخر، أداة يمكن تطويعها، لتكون أحد ملامح “العالم” الذي يبنيه الفيلم، والقابل للاستمرار وتحقيق الربح في أكثر من مُنتج، سواء كان فيلما، أو منتجات رديفة، تُباع على هامش السينمات. فقد أُعلن مثلا، مع صدور الجزء الثالث من “أولاد رزق”، عن أنه أول فيلم عربي يؤسس خطا لبيع التيشرتات الخاصه به، كما في حالة فيلم “ستار وورز”، الذي يظلّ مربحا حتى اليوم لصانعه جورج لوكاش، عن طريق بيع دمى الشخصيات، والألعاب، سواء الملموسة أو “الفيديو غيمز”، والتيشرتات.
لقد دخلنا إذن في صناعة “الفرانشايز”، فهل هذا الأمر جيّد وقابل للاستمرار؟
أحد الانتقادات، التي وجّهت للجزء الثالث من “أولاد رزق”، هي “التبذير” في إنتاجه، بمعية تركي آل شيخ و”هيئة الترفيه السعودية”، التي ستستمر بمشروعها في إنتاج كثير من الافلام المصرية في الفترة القادمة، واستقدام كثير من الأسماء العالمية في صناعه تلك الأفلام,
صرّح آل الشيخ، أن إنفاق 600 مليون جنيه مصري، أي حوالي ستة ملايين دولار، ساعد بإنعاش الفيلم، ووضع الجزء الثالث منه تحديدا على مسافة عن الجزئين السابقين. وقد ظهرت هذه “الحرية” في الإنتاج في اختيارات المخرج طارق العريان، التي وصلت لحد الاستعراض في بعض المشاهد الحركيّة، التي تم تنفيذها في السعودية، والتي تقترب نسبتها من 50% من زمن الفيلم.
تتمحور الأحداث حول مغامرة أخرى لأولاد رزق، بعدما قرروا التوبة، ولكن لضائقة مادية، يضطرون للشروع في عملية جديدة كبرى لهم، وهي سرقة ساعة باهظة الثمن في “موسم الرياض” بالسعودية. وعموما فهذا الجزء تحديدا من الفيلم يمكن وصفه بأنه استعراض غرضه السياحة، وذلك نموذج تكرّر في السينما الهوليوودية، أي أن يتم بناء جزء كبير من الحبكة (أو مشاهد الأكشن) في مكان يودّ المنتجون الترويج له، الأمر الذي ينعكس على المكان، بعد نجاح الفيلم، بالانتعاش السياحي والتجاري. ليتوسّع مفهوم “الفرانشايز”، من خلال ربط مكان، مدينة أو سوق أو منتجع سياحي، بمنتجات سلسلة ترفيهية ما. وربما ذلك بالتحديد النموذج الذي تريد السعودية تحقيقه، لكي تفرض هيمنتها على صناعة الترفيه في الشرق الأوسط.
ربما كانت معظم الاعتراضات على كل هذا لا تتعلّق بمشروعية طموح الربح المالي، أو تنشيط السياحة وصناعة الترفيه، في السعودية أو غيرها، وإنما في أن هذه العقلية في الإنتاج ستؤثّر على “أصالة” الحبكة والبيئة والشخصيات، التي تقدّمها السينما المصرية. وبحسب تلك الانتقادات، فقد افتقد الجزء الثالث من “أولاد رزق” إلى كثير من أجوائه المصرية، المتعلّقة بالحارة الشعبية، وهو العالم الذي برع صلاح الجهيني وطارق العريان في تأسيسه في الجزئين الماضيين؛ وصار الفيلم “هيوليووديا بزيادة”، ومتأثرا أكثر بالنظريه “الشكلية” في صناعة السينما، أو بعبارة أخرى: المبالغة والاستعراض الإنتاجي.
إلا أن هذا قد لا يكون فقط بسبب الإنتاج السعودي، فعموما في الجزئين الماضيين، كان الفيلم مهتما أيضا بالشكل أكثر من المضمون، فالحبكة مثلا، منذ أول جزء، تشبه كثيرا فيلم كيفن سبايسي الشهير “مشتبهون اعتيادون” The Usual Suspects، وعموما، “أولاد رزق” بأجزائه الثلاثة، لم يقم على سيناريو قوي، ربما عدا الجزء الأول، وإنما اعتمد دائما على الخلطة “الكاتشي”، المكوّنة من الأكشن، والإحالات الجنسية/الأخلاقية. أي أن هذه السمات الاستعراضية مرتبطة بـ”أولاد رزق” بوصفه مشروعا، ومنذ بداياته، وليست أمرا طارئا على الفيلم، بسبب الجهة المنتجة.
الناقد المصري خالد عاشور، أكّد في أحد اللقاءات المصوّرة أن الأفلام الأربعة المتنافسة في موسم العيد، وهي “أولاد رزق”، “عصابه المكس”، “أهل الكهف”، و”اللعب مع العيال”، اتسمت باستسهال كبير في كتابة السيناريو. وهذا قد يعني أن خلطة “لأصالة” المصرية التقليدية في السيناريو، لم تعد تعني كثيرا من الكتّاب المعاصرين، بقدر تحقيق عناصر الجذب، التي توفرها السينما العالمية.
عموما، يمكن القول عن الجزء الأخير من أولاد رزق (القاضية ممكن) إنه عمل ممتاز على مستوي الأكشن، ومُنتَج قوي للسينما التجارية المصرية، يمكنه أن ينعش السوق في الخليج ومصر، ولكنه يفتقر لكثير من البناء المنطقي في السيناريو، ويعتمد على المشاهد البرّاقة، لتعالج مشاكل حبكته.
وقد قام طارق العريان بكل ما يمكن فعله لتحقيق غاية إنتاج “فرانشايز” مصري، وجعل فيلمه ممتعا بحق، واستخدم الصورة السينمائية بشكل مبهر فعلا للعين، عن طريق زوايا الكاميرا الواسعة، واستخدام الطائرات المسيّرة (الدرون) في مشاهد المطاردات. وقد كانت الكاميرا ثابتة في القليل جدا من المشاهد، وذلك ما جعل الفيلم سريعا على مستوي الإيقاع.
الممثلون أدّوا المطلوب منهم بشكل ممتاز، سواء الوجوه الجديدة مثل علي صبحي؛ أو النجوم المعروفون مثل آسر ياسين في دور “الشايب”، اضافة لكثير من ضيوف الشرف، سواء من الأجزاء القديمة، مثل محمد ممدوح وإياد نصار، أو ظهور كريم عبد العزيز في المشهد الختامي. كذلك فإن محاولات استخدام التريند، من خلال إعادة أداء مشاهد ناجحة من الأجزاء القديمة، حقّقت شيئا من الكوميديا.
ولكن هل الأكشن والأداء التمثيلي والكوميديا جعلونا نشاهد فيلما جيدا؟
لا يستطيع المشاهد، خلال معظم مشاهد “أولاد رزق 3″، تجاوز شعور أنه يشاهد تقليدا لفيلم أميركي. ويظهر عموما، في التصاريح المنسوبة لصنّاع الفيلم، أن سقف طموحهم كانت فقط أن يقترب الفيلم في الشكل من الأفلام الهوليوودية. ظهر ذلك بوضوح في تصريح بطل العمل أحمد عز، الذي وصف الفيلم بأنه “عالمي” أكثر من الجزئين الماضيين.
الطموح بالوصول لمستوى أفلام هوليود التجارية أمر صحي جدا، لكن حتى الأفلام الهوليوودية تهتم بالسيناريو وبقية العناصر الفنية، وليس فقط الأكشن، لجعل الجمهور متأهّبا طوال مدة الفيلم. إضافة إلى أنه ليس من المبهر الوصول إلى الإتقان في الشكل، فيما يتعلق بمشاهد الأكشن، إذا توافرت الأموال، خصوصا في ظل تطوّر التقنيات عالميا.
في المحصلة ربما كان الإنتاج السخي عبئا ثقيلا على صنّاع الفيلم، بدلا من أن يكون معينا لهم، إذ بات من الواضح أنه جعلهم يسعون لـ”الإبهار” ومزيد من الإبهار. فخرج “أولاد رزق” في النهايه أشبه بجنين مشوّه، يحاول أن يتشبّه بالأفلام الأميركية، ولكنه ليس أميركيا؛ وأن يقدم خلطة “الأصالة” المصرية، ولكن بدون إقناع كبير. إلا أنه بكل الأحوال “ترفيهي” جدا.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.