“ماما دهب”: ماذا يعني أن يكون الشارع “بيتاً”؟

في معرض حوار مطوَّل معها (1)، قالت لها محاورة برنامج “شاي بالياسمين” أنها لن تناديها بـلقب “ماما”، بل ستقول “دهب” فقط، لأنهن من جيل واحد، فردَّت بأنها تحب سماع كلمة “ماما” من الأكبر والأصغر. وحين سألتها المحاورة “لماذا؟”، فكّرتْ قليلا، ثم أجابت: “ساعات بتحتاجي إنك تقوليها.. أنتِ بتحتاجي تقوليها، أكتر ما أنا بحب أن أنا اسمعها“.
تلخِّص هذه الإجابة الحيلة السيكولوجيَّة، وراء الخطة التسويقيَّة التي تقوم بها منال غريب، صاحبة عربة السندوتشات المصريَّة في منطقة وسط البلد بالقاهرة، والشهيرة بـ “ماما دهب”، فإحدى الاستراتيجيات التسويقيَّة الحديثة لبيع منتج ما، تعتمد على تقديم “شخصية” أو “كاركتر” جذَّاب، مع القيم المصاحبة له، فيما يسمى “قيم الماركة الأساسيَّة” Brand core values، والتي تصيغها غريب في حوارها بأنها “طريقة معينة، وتفكير معين، ورسالة معينة“.
هناك ذكاء في اختيار غريب لشخصية الأم. فالأم، تقليديا، هي المعنيَّة الأولي بإمداد أبنائها بالطعام. والمُتعارف بشكل جمعي أن الطعام الأمومي طيّب الطعم، نظيف الإعداد، مكوناته ذات جودة عالية، على خلاف أكل الشارع، وبالذات عربات السندوتشات السريعة، التي تمتلك غريب إحداها؛ والأهم أنه مُعَد بحب واهتمام. هذان القيمتان هما “قيم الماركة الأساسيَّة”، التي يقدمها محل “ماما دهب”: الحب الأمومي والاهتمام الشخصي، اللذان يصاحبان عادةً فعل تقديم الطعام في البيت.
تقدِّم منال غريب شخصية “الأم المصريَّة”، عبر الاستعانة بلهجة ومفردات أموميَّة واضحة المعالم، مثل “حبيبة قلب ماما”، “حضن ماما”، “وطي صوتك يا بنتي”، “اصبر عليا يا ضنايا”، الخ. وتتعمّد خلق أو إعادة بناء الأجواء الأسرية المنزليَّة: الأم التي تعدّ الطعام في المطبخ، وصوت أم كلثوم أو عبد الحليم أو فريد الأطرش في الخلفية، وأحيانا أغاني التسعينيات (ذائقة أمهات هذا الجيل)، وتلوم أولادها على عدم صبرهم، شاكيةً أنها تُعِدّ الطعام بمفردها، وتصيح في ابنتها في الغرفة أن تحتشم، حين تسمعها تضحك بصوت عالٍ، حتى لا تُسمع بالخارج؛ أو تنهر ابنها حين يقول لفظا قبيحا أمام أخوته. وتسألهم، بعد انتهائهم من الأكل، هل شبعوا أم لا؟
مع ذلك، تَنفَذُ في محل “ماما دهب”، كثير من الأحيان، مكونات الأكل (الطحينة أو الكاتشب مثلا)، ووقت تحضيره عادةً أطول من المتوسط بكثير (لأنها تقوم بإعداده بمفردها، أو بمساعدة فرد أو اثنين معها)، الطاولات قليلة العدد، وانتظار الحجز طويل لبطء الخدمة، وتقديم الطعام يتم من قِبَل زبائن جالسين من الشباب (بصفتهم أولادها، الذين يساعدوها على وضع الطعام على السُفرة) أو عمَّال المقهى المجاور، الذين يطالبون بمشروب إجباري مقابل ذلك. يمكن تفادي هذه الأمور ببساطة، عبر جلب كميات مناسبة مما ينقص من المواد، والاستعانة بفريق عمل أكبر، ومكان أوسع، وهو ما يحدث تلقائيا حين يتوسَّع نشاط أحد المطاعم، لكن في حالة “ماما دهب” يتم الحفاظ على هذا الوضع بقصديَّة، من أجل استمرار صورة وأداء المشهد البيتي الأسري المرغوب.
يطرح هذا النموذج أسئلة حول مفهوم وتجليات الأمومة، العربيَّة عموما، والمصرية خاصة، وعلاقة المرأة المصريَّة والعربيَّة بأولادها. لماذا بالأصل كان تقديم تجربة الأمومة، على عربة سندويتشات في الشارع، مصدر جذب للجمهور المصري، حتى يصبح ظاهرة أو “ترنيدا’؟ لِمَ هناك احتياج جمعي ما لقول كلمة “ماما”، على حد قول “منال”، حتى لو كانت موجّهة إلى بائعة سندوتشات غريبة في وسط البلد؟
بجانب الارتباطات أو التداعيات التي سبق ذكرها، في علاقة “الأم” بجودة الطعام، والعاطفة المضافة عليه، يمكن التفكير في ثلاثة مصادر رئيسيَّة لهذا الاحتياج: الأول هو ببساطة الاحتياج إلى الشعور بدفء الأمومة، بسبب فقد الأم أو عدم قيامها بدورها التقليدي لأي سبب (السفر، العمل، المرض، الانفصال، الخ)؛ الثاني هو الاحتياج إلى تكرار العلاقة، رغم حضور الأم. يُشتهر مثلا عن كثير من الرجال المصريين أنهم يرغبون في الارتباط بنساء يشبهن أمهاتهم، شكلا أو موضوعا، أو الاثنين معا.
وبدون اللجوء إلى تحليل فرويدي لتلك المسألة، يمكن القول إن هذا يدلّ على ارتباك كبير في بنية علاقة الأمومة-البنوّة، رغم قوتها. ويمكن شرح ذلك بأن الأم المصريَّة، في كثير من الحالات، شديدة التعلّق والعاطفة نحو أبناءها، بصفتهم تحققها وإشباعها الأساسي في الحياة، رغم عدم قدرتها، لظروف موضوعية كثيرة، تتزايد حدتها مع الوقت، على الوفاء بالتزامات أو شروط تلك الأمومة، التي تتجاوز عادة حدودها المفترضة، أو حتى الصحيَّة، في سياق الحياة داخل المجتمعات المعاصرة.
المصدر الثالث هو الاحتياج إلى وصاية/سلطة، حتى لو كانت لحظيّة، أثناء علاقة تبادل خَدَمي، مثل تناول وجبة مدفوعة في مطعم. فنظرا لضعف تكوُّن الفرديَّة وهشاشتها في مجتمعاتنا، بما يصاحبها من استقلاليَّة وقدرة على الاعتماد الذاتي، هناك بحث شبه دائم عن تلك الوصاية في كل مكان، وكثير من الذين يرفضون الوصاية عليهم، يرفضونها في الحقيقة لأنه لا توجد سُلطة “صالحة” بالنسبة لهم.
وفي مصادفة نموذجيَّة، تختصر كثيرا من الشرح، وربما تكون مقصودة من قِبَل المُعدِّين، كان الضيف المتواجد مع “ماما دهب”، في حلقة البرنامج الحواري الذي ظهرت فيه، عارضة الأزياء سلمى الشيمي، التي اشتٌهرت جرَّاء سجنها، بسبب جلسة تصوير “تتعدى على القيم الأسرية، وخادشة للحياء”.
كان موقف الشيمي في بداية اللقاء أنها لا تقبل أن يعدِّل أو يتدخَّل أحد في ملبسها، فهي، بحسب قولها، ليست داخلة إلى مسجد أو كنيسة، بل تخرج إلى مطعم، ويمكن أن ترغب مثلا أن تتصور مع أصدقائهاـ بالملابس التي ترتديها، لكن حين عرضت منال غريب طريقتها الأموميَّة الخاصة في التعامل مع زبائنها (منها مثلا إنها تسأل زبائنها إن شبعوا أم لا)، قالت إنها توافق على ارتداء “الأسدال”، إذا كانت ستلاقي مثل هذه المعاملة. هذه الجملة قيلت من امرأة سُجِنَت بسبب ملبسها تحديدا.
يمكن تلخيص فيلم “ملف في الآداب” (1986)، إخراج عاطف الطيب، وتأليف وحيد حامد، في هذه المفارقة: الشابة التي تفرض عليها ظروف الحياة الجديدة الخروج إلى العمل، وأتاحت لها الحياة المدينيَّة حرية الملبس والكلام والاجتماع (الاختلاط)، فبات يمكن الخلط بينها والمومس، التي تجول الشوارع بيعا لجسدها، من منظور العين التقليديَّة، والعين الأمنيَّة.
تدور معظم أحداث الفيلم في منطقة “وسط البلد”، أي وسط مدينة القاهرة، كان هذا اختيارا منطقيا من صنَّاع الفيلم، فوسط المدينة هو مكان التقاء مؤقت بين غرباء في قلب المدينة، لأنه تاريخيا المركز التجاري والإداري والبيروقراطي والثقافي والترفيهي للمتروبول (المدن الأم). هؤلاء الأغراب، في أغلب الحالات، لا يعيشون معا، ولا تربطهم صلة قُربى أو معرفة مُسبقة، بل يجتمعون مؤقتا من أجل نشاط مشترك، والعلاقات التي تربطهم علاقات عمل أو مصلحة، أو تواجد زمني-جغرافي فقط. ولذلك فهم يتعاملون معا، مثاليا، بوصفهم أفرادا، ومواطنين متساويين تحت طائلة قانون وحقوق مدنية موحّدة، مما يتيح حريات شخصية متماثلة لكل واحد من هؤلاء الغرباء الأفراد، بغض النظر عن انتماءاتهم المختلفة (العمريَّة والجندريَّة والعرقيَّة والطبقيَّة والثقافيَّة، الخ).
باختصار، يتجسَّد في مفهوم “وسط البلد”، بوصفه مكانا، المثال المواطني الفردي للحياة المدينيَّة الحديثة، ولذلك هو “المكان”، بالألف واللام (2) الذي تتاح فيه الحريات الشخصيَّة، في الملبس والمأكل والكلام والممارسات، لكن هذا يحدث أيضا، واقعيا، في قلب مجتمع مأزوم في حداثته، يتأرجح ويتبادل ويخلط بعنف بين هذا المفهوم، وبين الفكر والرؤية التقليديَّة المحافظة، وهذا التوتر صعد إلى ذروته في حقبة ظهور فيلم “ملف في الآداب”، ومستمر إلى الآن بأشكال مختلفة.
يظهر هذا التوتر، بوصفه أحد أسباب الرئيسية للانزعاج والنفور من ظاهرة “ماما دهب”. فكما أن هناك “ظاهرة” انجذاب إلى “تجربة الأمومة”، التي يقدّمها مطعمها، للأسباب التي ذُكرت سابقا، هناك أيضا هجوم حاد عليها، بالسخرية والتجريح على مواقع التواصل الاجتماعي، والاحتكاك المباشر الواقعي معها. وإن لم تكن أسباب هذا الهجوم مُصاغة بشكل واضح، حتى بالنسبة للمهاجمين أنفسهم. فخطاب وممارسة منال غريب الأموميان، واضحا المحافظة والتقييد، يطرحان بقوة، وخبث معا، (كونهما يتواجدان ويعملان في مجال عام، وفي أقصى صوره، أي “وسط البلد”) إشكالية الحيز العام، والحريات الفرديَّة داخله، المتوتّرة دوما، وغير المحلولة أبدا.
يساعد الملبس المحافظ، والطرحة التي ترتديهما غريب، وطريقة الكلام المتحفّظة، والآراء المحافظة التي تتبناهما، على إضفاء هالة سمو الأخلاق والطهر، المرتبطين في المخيلة الجمعية بنموذج الأم المصرية أو “الحاجَّة”. ورغم أنها تقيم عربة السندوتشات في شارع عام، في قلب المدينة، فهي تصرّ على أنه “بيت”، وله قواعد يجب أن تُحترم، والغرض الأساسي من تدخّلها في مسائل المظهر والسلوك، هو الحفاظ على “سمعة” هذا البيت. وهي تصيغ ببراعة السيطرة على سلوكيات زبائنها الشخصية (تغطية كتف أو ظهر عار بإيشارب، النهر عند قول لفظ خارج أو ضحكة عالية، الخ) في هيئة حب واهتمام ورعاية أموميَّة.
ومن المثير في الحوار، المليء بالدلالات، أنه على الرغم من أن ياسمين الخطيب، محاورة البرنامج، كانت تقدِّم نفسها، في فترة ما، بوصفها ناشطة وكاتبة نسوية، وأصدرت كتبا عديدة تدافع فيها عن الحريات الليبرالية للمجتمع المصري، ختمت الحلقة بمقولة منال غريب: “البنت المؤدبة هي البنت اللي بتحترم كلام مامتها وباباها.” لتكمل لها غريب المقولة مؤكّدة: “في وجودهم وعدم وجودهم“، فتعلّق الخطيب بأن هذا “ختام عظيم” للقاء.
إذا نظرنا إلى مجمل خطاب منال غريب سنرى أنه خطاب يقوم “بتبييت” Domestication الحيز العام، أي جعله بيتا تحكمه القواعد الأسرية وقيمها، ومن ضمنها التحكّم والتعديل في السلوك والمظهر الشخصي، وإدخال فكرة “السمعة”، الخ. وذلك يتيح ممارسة سلطات الأمومة (وقوة جذبها ذات الفائدة التجارية) بسهولة أكبر. ويساعد على هذا “التبييت” منطق سلوك الفرد، باحترام “كلام ماما وبابا” حتى في غيابهم في الشارع، أي باختصار أن يسلك المواطنون الأفراد كأبناء وبنات لأسرة محافظة وبيت محافظ، في أثناء تفاعلاتهم في الشارع، لأنهم لا يجدون هذا البيت من الأصل، أو لأنهم غير قادرين على التعامل مع شروط الحيز العام، غير القائم على القواعد الأسريَّة.
تشرح منال غريب، في حوارات مختلفة، أنها تحافظ على سمعة المكان، حتى لا يتم الاشتباه فيه، وهي في النهاية امرأة، مما سوف يؤذيها في مكان عملها. لكنها لا تقول في أي من حواراتها أو لقاءتها من سيفعل ماذا بالضبط، أو لماذا تتحمّل هي مسؤولية أفعال زبائنها، التي ليست حتى خارجة عن أعراف الحيز العام، وهو وسط المدينة تحديدا. مما يُظهر حديثها تبريرا ضعيفا، لإصرارها على بناء مشهد البيت المصري المحافظ في الطريق العام، أو ما يتصوَّر أنه الشكل المثالي لذلك البيت.
هناك بالطبع من يرفض هذا “التبييت”، ويراه تعدّيا على حقوقه وحرياته الشخصيَّة، ومن هنا يأتي الانزعاج والغضب، من تلك المحاولة المتخفيَّة في فرض القيم المحافظة و”الحالة الأسرية” على الحيز العام، والحقوق التي أُعطيت من خلاله لكل مواطن فرد.
يمكن تناول نموذج “ماما دهب” من زاوية أخرى، هي زاوية ظاهرة “الأشباه”، فكما هناك “شبيه محمد صلاح”، و”شبيه محمد رمضان”، و”شبيه السادات، و”شبيه الشعراوي”، إلخ، فهي أيضا “شبيهة الأم المصرية”.
ظاهرة “الأشباه” تلك أصبحت منتشرة بشكل غريب في الآونة الأخيرة، وتستدعي التفكير بها. لِم وجدت؟ لِم أصبحت منتشرة بهذا الشكل؟ ما هي دلالاتها الثقافيَّة والاجتماعيَّة والإنسانيَّة؟
هناك نكتة ذكية عن جيل الألفية (الميلينيال)، وهي أن “الكينك الأكثر تفضيلا بين جيل الألفية هو لعب دور زوجين يمتلكان منزلا“. ما هو مثير للضحك أو المفارقة في النكتة، هو أن الأشياء المرغوبة، المنحرفة، المحرَّمة، أو صعبة الممارسة، أصبحت الآن، نظرا للصعوبات الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة المعاصرة، هي الأشياء التقليديَّة العاديَّة: العلاقة المستقرة الهادئة، داخل منزل مملوك.
ثاني أفضل شيء لفعله إذن هو التظاهر بعمل الأشياء المرغوبة، التي لا يمكن موضوعيا القيام بها. هذا التظاهر يتماشى مع أفكار نبتت مع السياق الثقافي الحالي، قادمة رأسا من عالم الاستهلاك، مثل مبدأ استخدام النسخة الأقل جودة، في استعاضة عن الأصل القيِّم غير المتاح، وهو ما أصبح في سوق الاستهلاك منظّما ومقننا، عالميا (الصين أكبر مثال على تصدير مثل هذه النسخ بمستويات جودة مختلفة)؛ ومحليا (الماركات محليَّة الصنع، التي تقلّد البراندات الأصلية، لكن بسعر أرخص بكثير، وأيضا في تعدد من مستويات التقليد). وكذلك فكرة استنساخ نجاح نموذج موجود (الأمومة التقليديَّة في هذه الحالة) بتكراره، حتى لو في سياق مغاير، مثلما يتم افتتاح عديد من المطاعم أو المحال المختلفة، تبيع المنتج نفسه، الذي يبيعه مطعم أو محل نجح نجاحا ملحوظا.
تتفاعل هذه الأفكار والمبادئ في المجال الاجتماعي والتكوين الإنساني للأفراد، بوصفها نوعا من “الميم”، الذي بفرض وجوده يحافظ على مفهوم أو فكرة معينة، حتى لو أصبحت منزوعة الشروط والسياق: العلاقة المستقرة أو الزواج التقليدي مثلما في النكتة؛ والأمومة التقليديَّة في حالة “ماما دهب”، بوصفهما نوعا من النوستالجيا لنمط أرحب وأكثر استقرارا وامتلاءً بالمعنى، لكنه في النهاية محض تشابه، يبعث الحسرة والنفور، لابتعاده عن الأصل، حتى في ظل هيمنة الاعتقاد أنه لا يوجد “أصل”، بل مجرد نسخ مُكررة، يُتلاعب بسياقاتها للإشباع اللحظي: لعب دور جنسي في السرير، أو التظاهر بالأمومة أثناء تناوله وجبة في مطعم، الخ.
اكتسبت منال غريب سُلطات وصلاحيات جزئية، ومكاسب ماديَّة مباشرة، جرَّاء هذا التشابه، لكنّ كونها “شبيهة ماما” تحديدا، الأمر الذي تستخدمه حيلةً نفسيَّة لبيع منتجها، هو أيضا سبب رئيسي آخر في الانزعاج والنفور منها. فالمريب The uncanny في التحليل النفسي، هو الحدث أو شيء الذي يثير اضطرابا، تحديدا لأنه يبدو مألوفا في سياق غريب أو مُهدِّد، لهذا يشعر بعض الناس بالخوف والاضطراب من رؤية تماثيل الشمع، أو الروبوتات التي تشبه البشر كثيرا.
في حالة “ماما دهب” يمكن تمييز الإشارات والإيماءات والعواطف الأموميَّة، لكن بإدراك مصاحب أنها في سياق مغاير جذريا (مجال عام، تبادل خدمي، مطعم)، ولأسباب ماديَّة (الربح التجاري)، ودون أي قاعدة حقيقيَّة لهذه المشاعر المُخصَّصة القوية. وما يزيد من ريبها، وابتذالها حتى، هو معاملة جميع الغرباء، بلا تمييز، كأنهم أبناء، مما يُلغي خصوصيَّة العلاقة بالأصل.
[1] اعتمد هذا المقال بشكل أساسي على اللقاء التلفزيوني، الذي أجرته منال غريب مع برنامج “شاي بالياسمين”، المذاع الخميس الثاني من أيار/مايو 2024، بعنوان “مشاهير السوشيال ميديا”، فهو يمتاز بكونه حوارا ممتدا، يوضِّح كثيرا من جوانب خطاب وفكر هذه الشخصية الخلافيَّة، التي ظهرت على السطح مرَّة أخرى، بعد نشر مقطع فيديو لها على الإنترنت، في شهر رمضان الماضي، تلقى فيه ما يشبه المحاضرة على الجالسين من الزبائن في محلها.
[2] لم يعد ذلك قائم حاليا بشكل حصري في وسط المدينة، نظرا للتغييرات التاريخية والحضرية للمدن الحداثية، لكن ذلك موضوع آخر، قائم بذاته.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.