بروباغندا التنجيم: كيف تعرف ليلى عبد اللطيف مستقبل العراق؟

بروباغندا التنجيم: كيف تعرف ليلى عبد اللطيف مستقبل العراق؟

قد يُخيَّلُ لكثير من الناس أن الدولة العراقية حزينة على موت إبراهيم رئيسي، رئيس إيران الذي توفي في التاسع عشر من أيار/مايو 2024، إثر تحطم مروحيته، وأن أشكال الحزن التي ظهرت على ملامح المعزين، من ممثلي الحكومة العراقية في السفارة الإيرانية في بغداد، وفي مجالس العزاء داخل المساجد والحسينيات والأماكن العامة، والقنصليات الإيرانية في البصرة والنجف وكربلاء وأربيل والسليمانية، ما هي إلا دليل على كبر مصابهم، إلا أنه في الخفاء، مهّدت حكومة الإطار التنسيقي، الموالي لإيران، للاستفادة مما حدث، بطريقة غير متوقّعة، إذ صاحب تريند وفاة رئيسي موضوع آخر، طفى على السطح، وهو تريند المنجّمة اللبنانية ليلى عبد اللطيف، التي تنبّأت بسقوط طائرة، تحمل على متنها أحد الرؤساء.

عبد اللطيف، الملقّبة بـ”سيدة التوقعات”، معروفة بين الساسة ورجال الأعمال العراقيين، وأصبحت حديث الساعة لدى كثيرين في العراق. ولأن كل ما يتصدّر التريند جزء من اهتمام الحكومة العراقية، سواء كانت محرّكا له، أو متحكّمة بتوظيفه، اسْتُضِيفَت عبد اللطيف بعدها بأيام قليلة على شاشة القناة الأولى العراقية، للحديث عن المستقبل المشرق للعراق، الذي سينمو ويُزهر في ظل الحكومة الحالية، فالتي تصحّ تنبؤاتها في وفاة رئيسي، سيصحّ قولها حتما حول مستقبل العراق.

وهذا يطرح لنا عدة تساؤلات، أهمها: هل تنبؤات ليلى عبد اللطيف تلقائية؟ وما الأجندة التي تحاول الحكومة العراقية تمريرها من خلالها؟ ثم لماذا تلجأ الحكومات لهذه الفئة بالذات من صانعي الثقافة الجماهيرية، الأكثر ميلا للخرافة؟

ليلى في العراء: لماذا غيّرت المنجّمة توقعاتها؟

“العِراء”، هو الاسم الذي كانت تردده ليلى عبد اللطيف لدى حديثها عن العراق، والعراء في اللغة العربية، كما هو معلوم، الفضاء أو المكان الخالي المكشوف، والذي لا يستتر فيه شيء. ورغم أن عبد اللطيف استعملت هذا اللفظ لعدم تعوّدها على لفظ حرف القاف، إلا أنها أصابت من جديد، فكلمتها أقرب لواقع الدولة الذي تتحدث عنها، والأكثر مصداقية من بين كل أحاديثها، إنها تتحدّث عن مساحات عارية من كل غطاء سياسي أو ثقافي ديمقراطي، خارج عن سيطرة الحكومة والميليشيات المقرّبة منها.

غيّرت عبد اللطيف جميع أقوالها فيما يخصّ العراق، بعد أشهر فقط من آخر تنبؤ لها عنه، إذ قالت قبل أربعة أشهر، في برنامج “حكاية” على قناة mbc مصر، إن العراق سيشهد انقلابا دمويا، يؤدي إلى تشكيل حكومة جديدة؛ إضافة إلى تصريحها بتاريخ الخامس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2023، مع المذيع نيشان ديرهاروتيونيان، على قناة “الجديد” اللبنانية، بأن الجيش العراقي سوف يدخل بمواجهات مع بعض التنظيمات المسلّحة على الحدود السورية، وستبرز أزمة سياسية ودبلوماسية في البلد، لدرجة أن هناك جيوشا عربية ستتحد، من أجل حل المشاكل الخطيرة التي سوف تظهر في العراق؛ فضلا عن تنبؤها بجملة من الاغتيالات للساسة العراقيين. كل هذا تغيّر في لقاء القناة الأولى العراقية، ليبرز العراق المزدهر، الذي تنتهي كافة مشاكله السياسية مع الحكومة الحالية، ويتوحّد شعبه، ويكافح التطرف المذهبي، ويصبح دولة خالية من السلاح، إذ لن يحمل أي فرد حتى سكينا خارج إطار الدولة. وطبعا لرئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني دور كبير في المرحلة القادمة.

@alawla.tv

ليلى عبداللطيف لـ”جس النبض”: سنرى وحدة غير مسبوقة في العراق بعيدا عن الجهات الراغبة بالتقسيم العراق قناة_الاولى_العراقية تابعونا عبر التردد التالي | نايل سات 10971-أفقي

♬ original sound – alawla tv قناة الاولى العراقية – alawla tv قناة الاولى العراقية

يجدر الإشارة إلى أن ليلى عبد اللطيف سبق أن ذكرت، عام 2022، أن رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي سيكون له الدور الأساسي في استقرار العراق سنة 2023.

جماليات مستقبلية: ما مفهوم “الأخلاق” لدى “سيدة التوقعات”؟

من منطلق تغيّر تنبؤاتها المستمر، لا يمكن أن نفسّر حديث ليلى عبد اللطيف الأخير، إلا وفق المعطيات الأخيرة التي يمرّ بها العراق، وهي معطيات يمكن فهما من خلال تبويب أهم ما ذكرته في لقائها الأخير، والذي تمحور حول مستقبل مشرق؛ دولة موحدة لا توجد فيها قوات أجنبية؛ وعراق خال من الفساد الأخلاقي والمالي.

ذكرت عبد اللطيف في حديثها أنه خلال عامين لن يبقى هناك فرد عراقي واحد عاطل عن العمل، وهذا يبدو أقرب إلى الخيال، إذ لا توجد دولة في العالم خالية من البطالة، فما بالك بدولة مثل العراق، يعاني اقتصادها على مستوى القطاع الخاص من شح الموارد، وعلى مستوى القطاع الحكومي من بطالة مقنّعة. وفي أثناء حديثها، ذكّرتها المذيعة بضرورة الإشارة إلى سلّم الرواتب، الذي سوف يُعدّل خلال الفترة القادمة، وربما هذه المعلومة بالذات سوف تصحّ، لإثبات كلامها في المستقبل القريب، ودفع المشاهدين لتصديقها.

لم تنس المنجّمة أيضا الحديث عن البلد، التي لن يكون للقوات الأجنبية فيه أي وجود، وهذا ما تحاول الحكومة العراقية فعله، إذ لم يقتصر الأمر بها على إنهاء دور القوات الأجنبية، ولكن إنهاء كافة البعثات الأجنبية، التي جاءت لمساندة العراق.

والأكثر إثارة للاهتمام إصرارها على جملة “انتهاء الفساد المالي والأخلاقي”، مع تشديدها على “الأخلاقي” منه، ويصعب علينا تحديد تعريف ليلى عبد اللطيف للفساد الأخلاقي، لكن بالتأكيد نعلم ماذا تعنيه “الأخلاق” في قاموس الحكومة العراقية. وعندما سُئلت المنجّمة عن مصير “الفاشنيستات العراقيات”، وهل سوف نرى مشاهد قتل بحقهن، لم ترد.

تبيّن بعد أسبوع فقط ماذا تعنيه بالضبط من “انتهاء الفساد الأخلاقي”، اذ صدر حكم بحق “أم اللول”، وهي راقصة حُكم عليها قبل فترة بالسجن لمدة أربعة أشهر، ليتغيّر الحكم بتاريخ التاسع والعشرين من شهر أيار/مايو 2023، ويتحول الى السجن المؤبد، كما صدر عن قاضي محكمة الجنايات المركزية في بغداد. لم تطل “مكافحة الفساد الأخلاقي” أم اللول وحدها، فقد تورات عن الأنظار عدة نساء، كن يحتلن مساحة على السوشال ميديا، خوفا من التصفية. مثل “عصفورة بغداد” (تيسير العراقية)، وزينة الراوي.

ولو ابتعدنا عن “الفساد الأخلاقي” المرتبط بـ”الفاشينستات”، فسنجد أن الحكومة تعتبر الحريات العامة، وأهمها حرية التعبير والنشر والكتابة، مفاسد بدورها، إضافة طبعا إلى حقوق النساء. وربما تُعتبر خطوة إصدار كتاب رسمي، موجّه من قبل وزارة التربية العراقية لكافة المحافظات، لمنع المعلمين والمدرسين من الإساءة إلى شخصيات سياسية، إحدى خطوات “إنهاء الفساد الأخلاقي” في العراق. ورغم أنها قامت بإلغاء الكتاب بعد أسبوع من صدوره، إلا أن اتجاهها للحد من الحريات واضح بالنسبة لما يفوق مليون فرد في العراق، داخل المؤسسة التعليمية فقط.

لم تكتف الحكومة بتطبيق مقولة “عراق خالٍ من الفساد الاخلاقي”، لكنها أيضا اتجهت لتحقيق رواية ليلى عبد اللطيف عن مستقبل العراق الزاهر، و”عام الانجازات”، إذ لم تذع أي خبر يخصّ افتتاح أحد مشاريعها، وهو المجسّرات الثلاث في بغداد، الا بعد ظهور عبد اللطيف بأيام. وهذا عكس ما حدث سابقا مع مجسّر قرطبة، الذي أشاعت الحكومة خبر افتتاحه قبل شهر من الموعد المحدد

يبدو أن ليلى عبد اللطيف لم تكن تتنبّأ، بل تسرد ببساطة برنامج الحكومة العراقية، الذي سيؤدي لمستقبل مشرق بالفعل، وفق مقاييس “الإطار التنسيقي” الحاكم: دولة منعزلة عن العالم؛ يُضطهد فيها البشر، باسم الدين والأخلاق؛ ويمنعون من إبداء آرائهم؛ ويتم اعتقال أو اغتيال كل من يخالفون ما ترغبه الحكومة، أو ما تعتبره ملائما لها ولأخلاق العراقيين؛ مع بعض المشاريع التي لن يستطيع أحد الجدل في جدواها، أو وقائع الفساد في إنجازها.

الروحاني والمنجّم: هل نسينا الشيباني؟

لم تكن ليلى عبد اللطيف الأولى من نوعها، التي تم الاستثمار بها من قبل الحكومات العراقية، إذ لا يزال طيف أبو علي الشيباني حاضرا إلى الآن في ذاكرة العراقيين، وهو رجل ظهر على الإعلام بصفة “معالج روحاني”، وسرعان ما صعد نجمه، ليصبح نجما في التلفاز العراقي، يظهر عليه دائما ليتحدث عن أهمية الحكومة العراقية آنذاك.

كان الشيباني “مطبّلا” خاصا لرئيس الوزراء الأسبق نوري لمالكي، وما زالت فيديوهاته، التي يصرخ فيها بأن العراق سوف ينهار لو ترك المالكي الحكومة العراقية، متوفّرة على يوتيوب، وما زال بعد كل هذه السنوات يصرخ بالكلمات نفسها، إلا أن الاختلاف يكمن في أن المالكي لم يعد مهتما بالاستثمار به، وليست فيديوهات الشيباني الحالية سوى محاولات حثيثة، لاستعادة اهتمام المالكي.

ومثلما سطع نجم الشيباني في البدء، وأصبح نموذجا لكثيرين، ثم خفت وميضه بعد سنوات، وأصبح مجرّد ضيف مستمر على قناة هامشية، يحاول فيها استعادة أمجاده، فعلى الأغلب سوف تصبح ليلى عبد اللطيف هامشية في الواقع العراقي. المشكلة هنا لا بشخوص أولئك المنجّمين و”الروحانيين”، ولكن بالوقت الذي يستغرقه الجمهور لفهم دوافعهم.

أخذ الشيباني من أعمارنا ثماني سنوات للتخلص من حضوره الطاغي على الشاشة، بعد أن اقتنع كثيرون به، واعتبروه ممتلكا لمفاتيح عالم آخر. كم سوف تأخذ منّا ليلى عبد اللطيف، قبل أن تلفظها الشاشات وأدمغة العراقيين؟

الدولة الأخلاقية: أين تقع نجوم ليلى عبد اللطيف؟

ضيّقت الحكومة العراقية على المجموعات السياسية المعارضة لها؛ ثم على الأفراد، نساء ورجالا، داخل الحيز العام؛ لتمنع بعدها إقرار أي قانون يحمي النساء داخل المنازل؛ وأخيرا تحاول اليوم استعمار آخر معاقل الإنسان: عقله. إذ لم تكتف الدولة بالسيطرة على وعي الشعب، من خلال التديّن ومظاهره، وأسلمة التعليم في المدارس والجامعات، والسيطرة على الإعلام، وشراء ذمم جزء كبير من المثقفين، لكنها تعمل أيضا على إلهاء الجمهور، ونشر الجهل في أوساطه، عبر استخدام جميع أشكال الخرافات، غير المقبولة حتى بالمنطق الديني، مثل التنجيم و”المعالجة الروحية”.

الملفت أن كل هذه المحاولات ترتبط بتوجيه السخط الشعبي ضد الحريات العامة، وعلى رأسها حريات النساء، ما يجعل العراق نموذجا للدولة الدينية/الأخلاقية. وعندما تشعر الحكومة بأن فعالية أداة من أدواتها قد ضعفت، سرعان ما تتحول إلى أداة أخرى.

يبدو أن السيدة ليلى عبد اللطيف قبلت على نفسها دور الأداة، فالنجوم التي تستقي منها معارفها ليست عالية جدا في السماء، كما يتخيّل البعض، بل من عالم “العراء”، الذي نعرفه جيدا، ونعاني جميعا من “نجومه”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
4 11 أصوات
تقييم المقالة
1 تعليق
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات
رعد
8 شهور

نعم؛ هذوله مجرد ادوات يشتغلون بفلوسهم ولصالح جهات سياسية..