“قضية” هبة نور: هل كان يجب التستّر على “الفضيحة الأخلاقية”؟

انشغلت وسائل التواصل الاجتماعي لعدة أيام بفيديو، تم نشره عبر خاصية “الستوري” على حساب انستغرام الفنانة السورية هبة نور، يصوّر لحظات حميمة، تجمعها مع شاب داخل سيارة، وحُذف بعد عدة دقائق، لكن بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي قاموا بحفظه، وإعادة تداوله.
أصدر محامي الفنانة، في اليوم التالي، بيانا يؤكد فيه أن الفيديو مفبرك باستخدام الذكاء الاصطناعي، وتوعّد “مركبي” الفيديو، وكل من ينشره، بالملاحقة القانونية، بتهمة القدح والذم والتشهير. لم تخرج هبة نور بأي تصريح مباشر، ولكن نقلت عنها بعض الصفحات، على وسائل التواصل الاجتماعي، أن “الفيديو تمت فبركته عبر خاصية الـ deep fake”، وأنها كانت تتعرض منذ فترة للابتزاز، من أجل دفع نصف مليون دولار، مقابل حذفه.
ورغم أن الصفحات الأكثر شهرة وانتشارا رفضت تداول الفيديو، واكتفت بالتأكيد أنه مفبرك، إلا أنه انتشر كالنار في الهشيم، تحت مسمى “فضيحة هبة نور”. ونال عدد كبير من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من كرامة الفنانة، وسخروا منها، وقلّلوا من شأنها، وشتموها، وشمتوا بها. وعلى الجهة المقابلة، علّق عدد لا يستهان به من متابعي الصفحات بعبارات، اعتبروها داعمة للفنانة، مثل “الله بيستر عاللي بيستر”، أو “لو أن الله رفع ستره عن عباده لفُضحوا جميعا”، وطالبوا بعدم تداول “القضية” مجددا.
عند التدقيق بالفيديو يظهر أنه غير مفبرك، وربما قامت الفنانة بنشره عن طريق الخطأ، ولم تجد طريقةً للدفاع عن نفسها أمام جيوش المهاجمين، الذين تباروا على النيل منها، وإظهار عفتهم عبر السخرية منها، إلا بادعاء أن الفيديو مفبرك. وكان هذا أحد الأسباب، التي زادت من السخرية منها، إذ رأى عدد كبير من المتابعين أن الذكاء الاصطناعي أصبح الشماعة، التي يعلق عليها الفنانون “أخطاءهم”. وقد سبق ظهور مقطع فيديو، يصوّر لحظّات حميمة للفنان السوري أحمد رافع مع سيدة، في اتصال فيديو، وقام الفنان بالادعاء أن الفيديو مفبرك، ليعود بعد فترة ويتراجع عن ادعائه، ويقول إنها حريته الشخصية.
وإذا كان رافع قادرا على استخدام مقولة “الحرية الشخصية”، فإن غالبية النساء في المجتمعات الأبوية لا يستطعن التفوّه بها، إذا تعرضنّ إلى مواقف مشابهة، لأنهن ستُوصَفنّ فورا بـ “العاهرات”، وسيتم اغتيالهنّ معنويا، إن لم يكن جسديا أيضا. كما غابت هذه العبارة بشكل ملحوظ أيضا عن تعليقات متابعي وسائل التواصل الاجتماعي، في خضم دفاعهم عن هبة نور، واكتفوا بالمطالبة بـ”الستر”. لم يتجرّأ أحد أن يكتب عبارات تتعلّق بالحريات، واكتفوا بالمشاعر والدعم الإنساني العاطفي، عبر الطلب من الناس التوقف عن مهاجمتها، لأنها في ظرف لا تحسد عليه.
حاولت أيضا صفحات عربية، يديرها رجال، إعادة التذكير بقضية هبة نور بعد أن انشغل عنها الناس بمقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والإعلان عن إصابة أسماء الأسد بالسرطان، وهي رسالة واضحة، مفادها أنه حتى لو نسي الناس، هناك من هو جاهز لتذكيرهم.
من المؤكد فعلا أن هبة نور تمرّ بأصعب أيام حياتها، ومع أنها كانت تظهر دائما بشكل “لائق اجتماعيا”، وتقّدم نفسها على أنها المرأة “السيكسي المحترمة”، وتُعتبر فنانة جيدة، لها حضور مقبول في الدراما السورية، إلا أنها لم تتلق على الحيز العام، خلال أزمتها هذه، أي دعم يُذكر من الفنانين السوريين زملائها في المهنة، وتعالى المثقفون عن دعمها، بوصفها إنسانة وامرأة، تتعرض لحملة تشهير واسعة، لمجرد أنها حاولت أن تعيش حياتها الخاصة، بالطريقة التي ترغب بها، ومن ثم ارتكبت خطأً تقنيا، يبدو أنه سيقضي على حياتها المهنية.
لماذا تُركت هبة نور تحت رحمة التريند؟ ألا تثير قضيتها بعض الأسئلة المهمة عن الأوضاع في مجتمعاتنا؟ وإذا كان الناس “العاديون” يفكرون بـ”الستر”، فماذا عن المثقفين والنسويات؟
قبل هبة نور، تعرّضت الفنانة السورية الفلسطينية نسرين طافش إلى “فضيحة” مشابهة، منذ أكثر من عشر سنوات، عندما خرجت إلى العلن بعلاقتها مع الفنان تيم حسن (زوج صديقتها)، وبغض النظر عن تفاصيل الموضوع، ووجهات النظر المختلفة حوله، إلا أنها، بعد تلك” الفضيحة”، استُبعدت من الوسط الفني بشكل كامل، وهذا لم يحدث مع تيم حسن، الذي أصبح مؤخّرا الفنان الأول في سوريا.
نأي الفنانين السوريين بنفسهم، وخاصة النساء منهم، عن دعم هبة نور، قد يُظهر خوفهم من أن تطالهم “سمعة سيئة”، أو أن الدعم قد يعكس موافقتهم على ما فعلته، وبالتالي سوف يخسرون شعبيتهم، أو يتعرضون لهجوم. إلا أن الفنانين والمثقفين لم يكونوا وحدهم الغائبين عن المشهد، بل النسويات السوريات أيضا، اللواتي تزدهر منظماتهنّ منذ أكثر من عشر سنوات، أي من عمر الحرب السورية تقريبا، بدون أن يكون لها أثر كبير يذكر على حياة النساء السوريات على الأرض.
السكوت “النسوي” هذا مثير لكثير من علامات الاستفهام، فبعد تفكك عديد من العلاقات الأسرية في سوريا، منذ بدء الحرب والهجرة واللجوء، ووصول عديد من العلاقات الزوجية إلى طريق مسدود، نسمع بين أوساط النساء قصصا عن سيدات طالبنّ بالانفصال عن أزواجهنّ، وكان من ردود الفعل على ذلك، ابتزازهن بصور جنسية لهن، واضطرت بعض النساء إلى التراجع عن فكرة الطلاق، رغم العنف الأسري، أو الصبر إلى حين إيجاد حل قانوني. هذه الأحداث في الحالة السورية مازالت “مستورة” إلى حد ما، لم يبدأ الإعلام بتغطيتها كما يجب، عكس دول أخرى مثل العراق أو مصر. ولم تحاول المنظمات النسوية السورية توفير دعم قانوني للسيدات.
تعج مجموعات النساء السوريات على وسائل التواصل الاجتماعي في ألمانيا على سبيل المثال، بقصص مؤلمة، تشاركها النساء، من عنف وابتزاز وتشويه سمعة، ولم نسمع عن لقاء بين منظمة نسوية والنساء المتضررات، وحتى النساء أنفسهنّ لا يسألن عن تلك المنظمات السورية، وغالبا لا يعرفنّ بوجودها من الأساس.
من منطلق تحرري أو نسوي، أو أي اسم آخر نفضّله، لا تحتاج هبة نور إلى “الدفاع عن نفسها”، فهي لم ترتكب جريمة. رغم هذا فإنها تعرّضت لأنواع من الاتهامات، غير تلك المتعلقة بـ”شرفها”، تبدو شديدة الغرابة، وتدفع للتساؤل فعلا عن المنطق الدارج على وسائل التواصل الاجتماعي. مثلا جزم البعض أن نور تقصدّت نشر الفيديو، بحثا عن المزيد من الشهرة، وهي تهمة غريبة فعلا، فالجميع يعرف أن انتشار مثل ذلك المقطع المصوّر يكفي للقضاء على حياتها الأسرية والاجتماعية والمهنية. لسنا في الولايات المتحدة أو أوروبا، حيث يمكن لبعض النجمات “إثارة الضجة”، عبر مثل تلك المنشورات.
استخدمت المغنية والممثلة الأميركية باريس هيلتون مثلا ظهورها الإعلامي، بشكل يعتبره المحافظون “فاضحا”، لكسب مزيد من الشهرة، وقد جاء ذلك بنتائج إيجابية عليها في بعض الأوقات. كان الاعلام والجمهور يتحدثان عنها لعدة أيام، إلا أنها تتابع حياتها كما هي دون أي تغيير، ولم تتوقف عن العمل، هذا لا يمكن أن ينطبق بأي حال من الأحوال على فنانة عربية.
من ناحية أخرى يوجد للنساء في الدول الغربية ظهير قوي، لا يتوفر أي نظير له في بلداننا، رغم كثرة انتشار المنظمات، التي تصف نفسها بـ”النسوية”. تعرّضت نجمة هوليوود جينيفر لورانس مثلا لعملية قرصنة صور، كانت ترسلها لحبيبها، وتم تداولها بشكل واسع، لكن لورانس خرجت بموقف قوي، ودافعت عن نفسها، ووصفت ناشري ومتداولي الصور بأنهم هم من يرتكبون جريمة جنسية، وينتهكون خصوصيتها. وخرجت النسويات الأميركيات بدورهنّ لدعمها، ونددن باضطرار النساء للدفاع عن أنفسهن، عندما يعشن بالطريقة التي تناسبهن، بدلا من لوم الرجال الذين يقومون بتداول الصور. قالت لورانس إن مشاهدي صورها يجب أن “يخجلوا من أنفسهم لأنهم يساهمون في إدامة جريمة جنسية“. ماذا يمكن أن يحدث لامرأة عربية، إذا أطلقت التصريحات نفسها، في مجتمعات عقوبة “جريمة الشرف” فيها قد لا تتجاوز ستة أشهر في السجن؟
في الواقع مسالة هبة نور أكثر من مجرد تريند، والدفاع عنها ليس مجرّد “ناشطية افتراضية”، فهي تجسيد لما هو أعمق من عاصفة التعليقات والمشاركات المرتبطة بتسجيلها، وربما لذلك، لم نر ما يكفي من الأصوات “النسوية”، المنتفضة لأجلها.
في كتابه دوائر الخوف، يقول المفكر المصري نصر حامد أبو زيد إنه “في عصور التأخّر والانحطاط، يتم إخفاء “النساء شقائق الرجال” ويتم إعلان “ناقصات عقل ودين”“. تصبح النساء عبارة عن أداة، هدف وجودها الإنجاب وتلبية حاجات الزوج والأولاد، لا أكثر. لا رغبات لها، ولا حاجات، ولا حقوق في الحب والعلاقات الجنسية، كما يحق للرجال.
كالعادة، لم يسأل أحد عن مسؤولية الرجل، الذي كان مع هبة نور في السيارة، قد يكون هذا لأنه غير معروف، ولكن ربما أيضا، بناء على الاتجاه النفسي والاجتماعي السائد، فإن المرأة يجب أن تحمل لوحدها مسؤولية الحفاظ على البنية الأبوية التقليدية، ولأن النساء هن الأداة التي تُولّد الفضيحة، وتتسبّب بها، يتم التركيز على ضبط سلوكهن. تصبح حقوق النساء وحياتهن الخاصة، وما يرغبن في فعله، تابعا لحقوق ومصالح الأسرة. بل لا يؤثر على الأسرة فقط، وإنما على الجماعة بأكملها، فتصبح الحياة الجنسية للمرأة “مسألة اجتماعية”.
ما حدث مع هبة نور، ورد الفعل عليه، هو حالة مصغرة عن وضع النساء العربيات بشكل عام.، مهما بلغن من الشهرة أو النجاح، إنها المرأة التي تتمنى عديد من النساء أن تعشنّ حياتها، لكن إذا تعرضت إلى “فضيحة”، وخرجت حياتها الشخصية الى العلن، تصبح فريسة، يتشارك النساء والرجال في انتهاكها، أو الصمت المتواطئ عمّا تتعرض له، لدوافع متعددة.
كان من الممكن استغلال ما حدث مع هبة نور، نسوياً وسياسيا وحقوقيا، لتحويل هذه القضايا من خانة “الفضيحة” إلى خانة الحريات الفردية، ومناقشة الحريات الجنسية، والإشارة إلى مسؤولية الرجال في مثل هذه القضايا. كان من الأجدى للنسويات، اللواتي تجاهلن أو تعالينّ على ما حدث مع هبة نور، أن يقفن معا لدعمها، ومطالبة الرجل الذي ظهر معها في الفيديو، واختفى بعدها، بتحمّل كامل المسؤولية إلى جانبها، والوقوف في وجه الاعتداءات بحقها.
هذه الحادثة كانت فرصة لإطلاق حملات مجتمعية، حول حماية الخصوصية الرقمية، وتعزيز القوانين ضد الابتزاز الجنسي. فالمفترض نظريا أن التضامن بين النساء، وتفاعل المنظمات النسوية، يمكن أن يساهم في كسر دائرة الصمت والخوف المحيطة بهذه القضايا. كما يمكن للإعلام أن يلعب دورا إيجابيا، من خلال تغطية هذه القضايا بموضوعية، والابتعاد عن أسلوب الفضائح، والتركيز على الجوانب الإنسانية والحقوقية. إلا ان كل هذا لم يحدث، هل لدى المهتمين/ات بالشأن النسوي والاجتماعي قضايا أهم وأعمق من هذه؟ نتمنى أن نعرفها إذا كانت الإجابة “نعم”.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
رائعة المقالة صراحة بعد كلشي انتشر مااتوقعت حدا يكتب عن هاد الجانب بالتحديد بهالموضوع والكل مشغول إذا الفيديو صح او ذكاء اصطناعي بغض النظر انو لو شو ماكان مالازم بعد كل هالسنين والثورات والتضحية للحرية مانعتبر ونقول مو مهم هوي شو المهم انو انتشر شي خاص ومهين لانسان مو من حق حدا يشوفو او يفبركو وكل حدا عندو خصوصيات انتشارها بكون مشكلة لان خصوصية بالاساس اسمها بغض النظر عن شو هي الخصوصية.
بتمنى يجي هاليوم ومايتسمى هيك فيديو فضيحة يتسمى جريمة بحق خصوصية شخص ويلاحقو المجرم لينشرو اسمو وصورتو مو العكس.