برج شهياد/آزادي: هل نصب الأمة مقلق لـ”الجمهورية الإسلامية”؟

برج شهياد/آزادي: هل نصب الأمة مقلق لـ”الجمهورية الإسلامية”؟

كان الوجود الحضري والرمزي الساحق لنصب برج شهياد (حاليا برج آزادي) أمرا حيويا في تاريخ الهوية الوطنية الإيرانية، منذ افتتاحه عام 1971، بمناسبة الاحتفال بمرور 2500 عاما على تأسيس الإمبراطورية الفارسية. أصبح النصب التذكاري نقطة محورية في الثورة الإيرانية بين عامي 1978-1979. ثم طُبِع بمعنى اجتماعي سياسي آخر، عندما استعاده رجال الدين، بوصفه رمزا نهائيا للثورة الإسلامية. ومع ذلك، ما يزال شتات الإيرانيين المعارضين حول العالم، يحتفظون له بدلالة خاصة بهم، على أنه “ذاكرة مجسدة”، لماضٍ تم السطو عليه.

تميّز البرج، لأسباب عديدة، باستقلالٍ ذاتي لمعناه. فتصميمهُ المعماري أزاحه بمرونةٍ عن تفسيرٍ محدد، وحوى في داخله ما يكفي من الذكريات، وتقاطعات الأحداث التاريخية، ليتجاوزها جميعا، ويتحوّل من مجرّد نصبٍ تاريخي، إلى سؤال عن كيفية حمل الآثار للمعنى، وكيفية تفاوض المعالم الكبرى مع التاريخ المكتوب والرسمي، والذاكرة الشعبية، المختلفة والمتناقضة.

تتساءل المؤرخة الفنية الإيرانية تالين جريجور، في ورقتها البحثية المنشورة عام 2003 “عن تحول المفردات الإيرانية”، حول خصوصية الشهياد: لماذا لم تزح الثورة الإيرانية، ومن ثم “الجمهورية الإسلامية”، نصبا تذكاريا يرمز إلى قيم روايات ورؤى وهويات نظام الشاه محمد رضا  بهلوي؟ ولماذا استمر البرج، وليس غيره، في حمل معنى لكل من الثورة والدولة الإسلامية؟

سؤالان مهمان، يستحقان الانطلاق منهما، لفهم كل من إيران، القومية، وكذلك “الثورة الإسلامية”.

“تذكار الشاه”: كيف جُسّدت الحداثة الإمبراطورية الإيرانية؟

في عام 1971 أقيم حفل هائل لتتويج لشاه إيران محمد رضا بهلوي، احتفالا بمرور ألفين وخمسمئة عام على نشأة الإمبراطورية الفارسية. تقلّد الشاه آنذاك منصبَ الشاهنشاه (ملك الملوك)، وحضر الاحتفال أغنياء ومشاهير العالم، بكلفةٍ باهظة، كانت من المسامير الأولى في نعش الشاه الأخير لإيران.

بدأت الاحتفالات بالقرب من أنقاض العاصمة الإخمينية “تخت جمشيد” (برسيبوليس أو المدينة الفارسية)، وأقيم النصف الثاني منها في طهران، بافتتاح نصب “شهياد آريامهر” التذكاري. تم تنفيذ التصميم بعد أربع سنوات من إعلان مسابقة، محصورة على المعمارين الإيرانيين، لتصميم برجٍ تذكاري بالقرب من مطار مهرآباد، ليمثّل البوابة الغربية للمدينة، فاز بها المهندس المعماري الإيراني الشاب حسين أمانات.

اقترح أمانات، وهو خريج حديث من كلية الهندسة المعمارية بجامعة طهران، مخططا، يحمل بالنسبة له معانٍ رسمية ورمزية. يقول: “كان لدي الشكل الرئيسي للقوس الساساني، الذي تتحرّك فيه الدعامات لأعلى، لكنني وجدت الدعامات البسيطة إشكالية، فخطرت لي فكرة الدعامات المشوّهة، وهذه قاعدتها في التاريخ، وتتحرّك نحو مستقبل بعيد مجهول، والذي كان بالنسبة لي، وسيظل في النهاية، مشرقا. بالنسبة لي، كان هذا نصبا تذكاريا، لتذكّر ثقافة وتاريخ الأرض، وكان متحفا حيا في حد ذاته، تُكًملُه سلسلة من المتاحف. كان هذا احتفالا بثقافة هذا الجزء من العالم، الذي كنت محظوظا لأنني ولدت فيه“.

لم تكن محورية النصب، في ذلك الوقت، مقتصرةً على إبرازها للاحتفال بالشاهنشاه، بل في تبنيها اسمه، فكلمة “شهياد” تعني تذكار الشاه. اندمج الكائن مع موضوعه، النصب مع الشاه، على حد تعبير تالين جريجور، وأصبح مطابقا ظاهريا له، منذ يوم افتتاحه وحتى انطلاق الثورة، كانت الذاكرة الاجتماعية، التي أثارها النصب التذكاري، هي ذاكرة أمة الشاه الإيرانية.

كانت هناك معايير اجتماعية وسياسية وثقافية تحدّد تلك الذاكرة: أيديولوجيات حضارة الشاه العظيمة، وقوانين “ثورته البيضاء”، وهي سلسلة قوانين إصلاحية، أطلقها في النصف الأول من الستينيات، لإضعاف الفئات الاجتماعية التقليدية، وفي الوقت نفسه إحياء الثقافة الإخمينية، بوصفها تاريخا مجيدا، وكذلك “غربنة” عالم الحياة الفارسي، بوصف ذلك جزءا من مشروع التحديث. لم تكن هذه الصورة للأمة هي الطريقة التي عرّفت بها مجموعات مختلفة من الإيرانيين أنفسهم، بل كيف حدد الشاه الهوية الإيرانية المتجانسة.

وُضِع النصب التذكاري على حدود طهران، عند مدخل المدينة من جهة مطار مهرآباد، ومن خلال الحتمية البصرية والمادية للنصب التذكاري، نُقلت إيران إلى أوروبا. كان من المفترض أن يُنظر إلى البرج من الجو، بينما المسافرون على وشك الهبوط في المطار. وبالإضافة إلى المطار، كانت جميع الطرق المؤدية إلى شمال غرب إيران، عبر الأوتسترادات السريعة، تطل عليه. وبذلك حرّك إحساسا بالانفتاح والمركزية. وفي حين أن البوابات القديمة للمدن، تعمل بشكل أساسي على إغلاق حافة المدينة، وحدّها، كان لهذه البوابة الحديثة معنى مفاهيمي ورمزي مختلف، لم يفتح أو يغلق، كان هناك فقط، بوصفه بوابة رمزية متخيّلة، تربط بين اليوتوبيا والواقع.

ضمّ النصب قصص الإنجازات الفارسية، في سلسلة من المتاحف، ومسرح عرض كبير. كان الزائر يتحرك باستمرار نحو قمة الهيكل، وبالتالي يتقدّم على طول تاريخ مختار ومنتقى بعناية، من قاعة الماضي تحت الأرض، إلى قاعة المستقبل في الأعلى: يبدأ الزائر من ممر ضيّق غير مضاء، ليجد نفسه فجأة على ناقل بطيء الحركة، وتدريجيا يتكشّف تاريخ العالم وتاريخ إيران أمام عينيه، إلى أن يصل إلى القمة/المستقبل، وبها معاينة للتطور المستقبلي للبلد. أما الرابط النهائي، بين المستقبل والحاضر، فهو “أسطوانة كورش”، وهي قطعة طينية تاريخية تعود إلى القرن السادس قبل الميلاد، باسم كورش الكبير مؤسس الإمبراطورية الإخمينية، جنبا إلى جنب مع النقاط الاثنتي عشرة لثورة الشاه البيضاء.

استحضر الشهياد بشكل مجازي صورة الملك، وسلطته المطلقة، ودوره في مصير الدولة القومية؛ وعمِلَ النصب كبيان معماري لملكية الشاه، ورؤيته، وأيديولوجيته، وهدفه النهائي. أصبح رمزا للأمة الحديثة، التي تقدّمت إلى الأمام، وارتبطت بصلابة بالماضي.

ما الذي يمكن أن يبقى من كل هذا بعد “الثورة الإسلامية”؟

“برج الحرية”: لماذا لم تستطع “الجمهورية الإسلامية” تحطيم الشهياد؟

بعد أشهر من الاضطرابات، شهدت طهران، في 10 تشرين الثاني/نوفمبر 1978، أكبر انتفاضة شعبية في تاريخها. إذ سار مليونا امرأة ورجل في شوارع طهران، من جنوب وشمال وشرق المدينة، وتوجهوا غربا نحو الشهياد. أصبح البرج الأبيض للنصب التذكاري القلب الشعبي لإيران. فقد احتشدت الجماهير تحت القوس، وأعلنت بياناتها المناهضة للإمبريالية الأميركية والنظام الملكي. وهكذا وصلت الثورة الإيرانية، التي بدأت في البازار الكبير جنوبي طهران، مركز المجتمع التقليدي المرتبط بالحوزة الشيعية، إلى ذروتها تحت قوس الشهياد، رمز الحداثة الإمبراطورية. لقد سارت الجماهير نحو هذا المعلم وليس أي معلم آخر، وهذه ليست مجرد صدفة.

بالنسبة للمجموعات المختلفة من الإيرانيين، الذين يحتجون لأسباب متناقضة، لم يكن النصب التذكاري تجسيدا للنظام الملكي، بل كان علامة حضرية، استوعبت وتكثّفت فيها أنشطتهم المناهضة لبهلوي. استولى المتظاهرون على البرج، وغيروا معناه، من خلال الممارسة والاستخدام. وخلال الاضطرابات، تجمّع مئات الآلاف تحت الهيكل، وحوله وداخله وفوقه، كما لو كانوا يستعيدونه بأجسادهم. تعبّر تالين جريجور عن ذلك بالقول: “لم يكن التخريب الشعبي بالضرورة “تدهورا” لـ”الثقافة العالية”، بل نوعا من المشاركة الشعبية مع الأعمال الفنية العامة، وأسلوبا للاحتجاج الاجتماعي، ومغامرة قوية، في الاستيلاء على الاحتلال الاستبدادي للمجال العام، وإدانته“.

كتب الناس على جدران الشهياد، وعلّقوا عليه اللافتات، وكان ذلك إعلانا مرئيا عن حضور قوى جديدة في مركز السلطة: “الله أكبر، الخميني قائدنا“، “الموت للشاه“، “الموت لأميركا“، “الموت لإسرائيل“، “الموت للاتحاد السوفيتي“، “لا شرقية ولا غربية، بل جمهورية إسلامية“. يعتمد اختيار الشعارات، كما ظهرت على النصب التذكاري، على القناعات الأيديولوجية لأولئك الذين كتبوها، وقد طغى عليها التيار الإسلامي بالتأكيد، إلا أن النصب فعليا كان مساحة للمفاوضات، بين الجمهور المجتمع. يعلّق بعضٌ منه لافتة، فيزيلها البعض الآخر، ثم يعود طرف ثالث، ليحاول وضع شيء آخر مختلف، يُعبّر عنه، وكل هذا خارج إطار تحكّم السلطة الشاهنشاهية، التي بنت النصب أصلا.

ومع مضي العهد الثوري، الذي أشبع النصب بالذكريات والحمولات الثقافية والسياسية، لم يتطلّب الأمر من سلطات الجمهورية الإسلامية كثيرا من الجهد، لتزويد الشهياد بذاكرة ثقافية جديدة. في غضون أشهر، أصبح نصباً يرمز لـ”الحرية”.

كان النصب قد اكتسب مكانة بارزة خلال الثورة، لدرجة أن تدميره، باعتباره من مخلفات نظام الشاه، سيُنظر إليه على أنه فعل متناقض، ليس فقط بالنسبة للشعب، ولكن الأهم من ذلك بالنسبة لنظام يحتاج إلى الشرعية. لم يكن بإمكان طهران الحضرية الاستغناء عن الشهياد. ونتيجة لذلك، تغيّر اسم شارع “شهرزا”، الذي انطلقت منه أولى الانتفاضات، إلى شارع آزادي-انقلاب (ثورة الحرية)، وأصبحت ساحة شهياد ساحة آزادي، وكذلك بات اسم برج شهياد الجديد برجَ آزادي (برج الحرية). أُغلقت المتاحف، ونقلت القطع الأثرية بعيدا. ولا بد أن النقاط الاثنتي عشرة للثورة البيضاء، والنقش الذهبي لمحمد رضا شاه، اللذين توسطا متحف التاريخ داخل النصب، كانا من بين الأشياء التي لم تعّمر أكثر من راعيها.

أخيرا، في أوائل تسعينيات القرن العشرين، بعد سنوات من الإهمال، تم تنظيف النصب التذكاري من الكتابة على الجدران، وإعادة فتح قاعات المتحف. تحت وصاية “وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي”، التي غيّرت اسم القاعات، وجعلت المساحة المفتوحة فيها خاضعةً لرقابة مشددة.

تراقب الشرطة الإيرانية اليوم ذلك الفضاء السلطوي/الثوري، ببارانويا كبيرة، وتتدخّل على الفور، في حالة حدوث أي شيء “مريب”، مثل وقوف أحد الزوار أمام قطعة أثرية ما لفترة طويلة.

تقول تالين جريجور: “إن استحالة إزالة النصب المادية، تستلزم إعادة تعريفه بشكل مفاهيمي. وأي محاولة لإزالته ستثبت أنها مجرد بديل غير متقن، لأن ما يجب الحفاظ عليه ليس الرمز الملكي، بل العلامة الحضرية. وبعبارة أخرى، فإن أي شيء يحلّ محل النصب التذكاري، يجب أن يفي أولا وقبل كل شيء بالوظائف الحضرية والمعمارية والجمالية، التي حددها الشهياد لمدينة طهران، وإلا فإنه سيصبح مشروعا محكوما بفشلٍ بديهي“. وتضيف: “في حالة عديد من الأسماء والشعارات والتماثيل والمؤسسات، التي كانت قبل الثورة، فقد تم تحويلها فقط إلى نقيضها المقابل: أصبح الشاه إماما، والملك قديسا، وأصبحت العلمانية إسلامية، وأيقونة الشاه أيقونة الإمام الخميني. أما في حالة الشهياد فلا يمكن إيجاد النقيض. وهكذا بقي، بتعديلٍ رمزي“.

لقد حُوّل مكان الراحة الملكي لرضا شاه إلى مرحاض عام، وأصبحت آلاف من الموروثات الإمبراطورية، مثل خيام الاحتفال بالقرب من المدينة الفارسية، هدفا لأشكال مختلفة من التخريب الشعبي، ودعاية الدولة لاحقا. ومع ذلك، لا يزال برج شهياد/آزادي كما هو. ما بقى من الشاه، وما لا يمكن إزالته، هو الرمز الحضري، القومي والإمبراطوري، الذي جسّد تجربة الحداثة الإيرانية.

يبدو أن المهندس المعماري حسين أمانات ، الذي نجا مثل نصبه التذكاري، على الرغم من مرسوم الموت صدر بحقه بعد الثورة، يعتقد بذلك أيضا: “على الرغم من كل الخطاب السياسي الخاطئ في ذلك الوقت، كنت حريصا على تحقيق حلم ونجحت، سوف ينجو النصب من الصراعات والنزاعات السياسية“.

يعتقد أمانات بأن الذاكرة الثقافية للنصب التذكاري، والمعنى الاجتماعي، تعتمد على أولئك الذين يمارسون السلطة، وأولئك الذين يولّدون ثقافة اللافتات في مواجهتها. بعد كل شيء، فإن عملية البناء المعماري، وتوليد الرموز من خلال الموارد والمؤسسات، مرتبطة بالسلطة، على حد تعبيره، ولكن من خلال الوقائع والممارسات والصراعات السياسية المختلفة، يستحوذ النصب التذكاري باستمرار على ذكريات ثقافية جديدة، ومعانٍ مختلفة.

هل من الممكن إذن أن تعلّق لافتات جديدة على النصب، الذي صار اليوم “آزادي”؟

أحلام إيران: هل سيقتل البرج صاحبه؟

كان الشكل النهائي لنصب شهياد/آزادي نتيجة لمعرفة معمارية متراكمة في إيران. يقول مهندسه حسين أمانات: “كنت أذهب إلى مواقع حول طهران، وأرسم القباب والجدران والأضرحة والمساجد. لقد سافرت أيضا عبر أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، شاهدت الكثير، كل هذا كان له نصيب في روح ذلك النصب“.

من المؤكد أن شهياد هو توليفة ممتازة من أقواس النصر الرومانية، ومعابد النار البارثية، وإيوان “قطسيفون” الساساني، وأبراج المقابر السلجوقية، والمقرنصات الصفوية، والصفات المعمارية الحداثية المختلفة، ومنها التقشف، وتحطيم الأيقونات، والمحورية. وبالتالي فإن شهياد/آزادي متعدد الدلالات بنيويا، ويصف طبقات متراكمة من التاريخ والمعرفة وتقنيات السلطة، ومقاومة تلك التقنيات. ولذلك فلم تتمكن أية جهة، بما فيها دولة الشاه، من ضبط معنى ودلالة المبنى، رغم أنها بنته أساسا لتثبيت “معناها” الخاص.

عند تصوّره وبنائه، جسد برج شهياد معنىً اجتماعيا وسياسيا، من خلال إثارة ذاكرة مميزة للأمة الإيرانية الحديثة، كما حددها نظام محمد رضا بهلوي؛ وخلال الثورة، لم يتغير معنى “الأمة” عن طريق كتابة الشعارات ورفع اللافتات فحسب، بل أيضا عن طريق الأداء الجماعي للجماهير الحضرية؛ أما بعد الاستيلاء التام لرجال الدين على الثورة، فقد عُدّلت دلالة “الأمة” مرة أخرى، فباتت هذه المرة شيعية وإسلامية بحتة، وثورية، لكنها إيرانية بشكل أساسي.

وفي بيئة سياسية متغيّرة باستمرار، يفرض شكل النصب التذكاري سلوكيات بشرية اجتماعية وحضرية وفردية متميزة، إلا أن هذا الفرض نفسه، يؤدي إلى مقاومات متعددة، ضد النصب ومن خلاله. وهذا يفسّر لنا سبب الحذر الشديد، الذي تبديه السلطات الإيرانية المعاصرة، في التعامل مع النصب، ورقابة زوّاره.

خرجت عديد من التظاهرات والتحركات الاحتجاجية في إيران، ضد “الجمهورية الإسلامية”، ولكن أي منها لم يصل إلى برج “آزادي”، ولعل النظام الحالي قد تعلّم الدرس، فإفلات النصب من قبضته، سيعني حكما غير مؤجّل عليه بالإعدام.

هل ستستطيع “الجمهورية الإسلامية” ضبط معنى النصب إلى الأبد؟ ربما كان هذا فوق طاقة أية سلطة في إيران، فأقصى ما استطاعت “الجمهورية” فعله هو استثمار النزعة القومية/الإمبراطورية للنصب، بعد زخرفتها بكثير من الرموز الإسلامية الشيعية، ومضت بذلك، على طريقتها، في دروب حداثة الأمة الإيرانية. إلا أن هذا يعمل معها وضدها في الوقت نفسه، فالمارد المعماري، الذي أطلقه الشاه، قد يقتل صاحبه، بعد أن يوصله إلى قمة مجده.

سيبقى شهياد/آزادي رمزا لمخيلة الأمة الإيرانية عن نفسها، وهي في واقعها خليط انفجاري، لا يمكن السيطرة عليه. أحلام الإيرانيين عن أنفسهم وأرضهم، والتي يجسّدها النصب بصلابة، ألهمت دائما خيال كثير من المفكرين والشعراء حول العالم، والتجربة التاريخية أثبتت أن هذا النوع من الأمم خطير دائما. ولذلك فإن قصة شهياد/آزادي لم تنته بعد، وستبقى بنهايات مفتوحة. وعندما يأتي اليوم الذي سيرى فيه العالم لافتة أو عبارة غير متوقعة على النصب، فستكون هذه إشارة قوية للجميع بأن “المعنى الإيراني” انفجر من جديد.  

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 4 أصوات
تقييم المقالة
1 تعليق
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات
حمدى عبدالسميع حسن على
10 شهور

مقال عميق رائع ثقافى