فيلم “ڤوي ڤوي ڤوي”: هل توصلنا “السياسة الخفيفة” إلى جوائز الأوسكار؟

فيلم “ڤوي ڤوي ڤوي”: هل توصلنا “السياسة الخفيفة” إلى جوائز الأوسكار؟

عُرض، في الفترة الماضية، الفيلم المصري “ڤوي ڤوي ڤوي”، لمخرجه عمر هلال، وهو أول أعماله الروائية علي الأطلاق، بعد أن عُرف بوصفه مخرج إعلانات. وكذلك هو فيلم جديد لشركة الإنتاج المصرية “فيلم كلينك”، والمنتج محمد حفظي، الرئيس السابق لمهرجان القاهرة السينمائي.

 نجح الفيلم عموما في إثارة الجدل سريعا، منذ عرضه الخاص، كما نجح في شباك التذاكر، ولكن كثيرين رأوا أن نجاحه الأكبر، والخطوة الفارقة له ولمخرجه، كانت في ترشيح مصر الفيلم لتمثيلها في حفل الأوسكار الرابع والتسعين، خصوصا لأن السينما المصرية لم يكن لها مرشّح في السنة الماضية، وتلك سابقة كانت الأولى منذ سنوات طويلة جدا، ما أدى لتكاثر الأقاويل وقتها، عن المستوى التي وصلت إليه الصناعة في مصر.

ما سبب نجاح ذلك الفيلم؟ وما الذي يميّزه عن حال بقية منتجات صناعة السينما المصرية؟ وما قوله عن الحياة في مصر المعاصرة؟ وهل يستحق فعلا الترشيح للأوسكار؟

خيار الخفة: في قلب السياسة وهرباً منها

تتكاثر في البلدان العربية الأشكال الرقابية، سواء الرقابة السياسية، أو الأخلاقية، ما جعل طابع الثقافة العربية عموما التعتيم، والحيز الضئيل جدا من الحريات، وفي السينما بالتحديد كثيرا ما يضرب مقص الرقابة عددا من الأفلام المهمة، كما حدث لفيلم “ريش”، الذي اتُهم بـ”الإساءة لسمعة مصر”، وهو، لسخرية القدر، من إنتاج محمد حفظي أيضا. هنالك أفلام أخرى منعت من العرض لسنوات.

المنتج محمد حفظي

لم يعرّض فيلم فوي” نفسه لهذه المخاطر، بل عالج كثيرا من القضايا الشائكة، ضمن الوضع المصري الراهن، عبر أسلوب “الكوميديا الخفيفة”، آخذا مسافة من الثالوث المقدس/المحرّم الكلاسيكي في السينما (الدين – الجنس – السياسة)، لم تمنعه من التلامس معه، بألطف ما يستطيع.

 الفيلم، الذي تدور أحداثه في زمن غير مؤكد أو دقيق، ولكن قبل سنة 2013، أو أثناءها تحديدا، يتحدّث عن فريق رياضي من المكفوفين، يستعد لبطولة العالم لكرة القدم، ينضمّ إليه شخص غير كفيف، على أمل “النجاة” من مصر، والهروب منها نحو فرصه افضل. إنه أمل الخلاص، بدون المشاركة في كل ما يجري، ولو كان ثمنه الإعاقة، أو ادعاؤها.

يعمل سيناريو عمر هلال عموما على رسم بورتريه لمن اعتدنا تسميتهم “المهمشين”، ويبتعد، في فيلمه الأول، عن “البلاتوهات الضخمة”، والأماكن الراقية، التي تعوّد على عرضها في الإعلانات التجارية، ليحكي ببساطة وبصراحة شديدة، لماذا قد نترك أوطاننا، التي تقسو علينا، وتنتهك كل ما فينا، بحثا عن فرصة أفضل.

 يعرض الفيلم، في مرحلة صعبة سينمائيا وسياسيا في مصر، لمحة أمل بسيطة، في قلب مأساة متكاملة، يمكن تسميتها المأساة المصرية المعاصرة، التي يمتزج فيها غياب الأفق، مع أحوال سياسية واجتماعية صعبة. إلا أن هذا لا يعني ان الفيلم غارق في السياسة، فهو يتداخل مع أحداث، مثل فترة حكم جماعة الإخوان المسلمين للبلد، وتدخّل الجيش المصري لإنهائه، وأحداث الثلاثين من حزيران/يونيو، بتشعّباتها الكثيرة، بدون الاشتباك الصريح معها، او إصدار الأحكام، بقدر ما يقدم كل هذا بذكاء، بوصفه الخلفية الدرامية، التي تدفع البطل للهرب. 

نحن هنا أما فترة تاريخية بأكملها، لا تهتم كوميديا العمل باستخلاص معانٍ ومقولات منها، بقدر ما تُعنى بدراسة آثارها على الطموحات البسيطة للبشر. بعيدا عن الإخوان والجيش والاضطرابات السياسية والاقتصادية، كيف تبدّت مغامرة الرحيل من هذا الظرف بالنسبة لكثير من الناس؟ هذا كان السؤال والطرح الأساسي للفيلم، المقتبس عن حادثة حقيقيه، وتحقيق صحفي للكاتب محمود شوقي.

ابتكار “المرة الأولى”: كيف أضاف هلال “دماء جديدة” للسينما المصرية؟

من النواحي الفنية، يبدو الفيلم أشبه بلمحة أمل للكوميديا المصرية، التي غرقت في السنوات الأخيرة فيما يسمى “كوميديا الإيفهات”، أي الكوميديا القائمة تماما على الحوار وأداء الممثلين. يبدو عمر هلال متأثرا بالمدرسة البريطانية في الكوميديا السينمائية، القائمة على التهكّم الشديد، عبر مواقف ومفارقات متعددة. مقللا من الكوميديا القائمة علي الحوار، ومعتمدا على ما يسمى “كوميديا الموقف”، ليخلق كثيرا من الصراعات الفرعية، والقرارات الدرامية المضحكة، التي كانت منطقية إلى حد كبير.

المخرج عمر هلال

منذ الدقيقة الأولى للفيلم، وحتى نهايته، يلتزم هلال بذلك المزيج الجذّاب من السينما، التي تحمل “هموما”، وتغازل الأسئلة، حتى إن لم تطرحها؛ والسينما “المسلّية” والجذابة جدا للعين، والتي تدفع المتلقي للابتسام، وحتى القهقهة. مثبتا، من جديد، أن التناقض بين “الرسالة” و”المتعة” ليس قدرا على صانعي السينما.

كاميرا ايف صحناوي كانت متميزة للغاية، خصوصا حين نعلم أن مدير التصوير اللبناني، الذي عمل مع عمر هلال في بعض الإعلانات المصرية، يمتلك تجارب مهمة في أفلام سينمائية، لاقت صدى كبيرا، وشارك بعضها في المهرجانات العالمية.

عمل صحناوي في فيلم “كراميل”، إلى جانب المخرجة نادين لبكي؛ أما حسين بيضون، مصمم الديكور اللبناني، فقد عمل أيضا مع نادين لبكي في فيلم “كفرناحوم”، ومع المخرج زياد الدويري في فيلم “القضية رقم 23”.

 عموما أضاف عمر هلال “دماء جديده للسينما المصرية”، بالاستعانة بمثل هذا الطاقم الفني، ما جعل صورة فيلمه شديدة الاهتمام بالتفاصيل، وهادئة للغاية، متجنّبا التهمة، التي تلاحق أي مخرج إعلانات، بأنه، في تجربته الأولى، سيهتم بالصورة الطاغية والجذّابة، على حساب قصته، فكان أسلوبه خادما لسيناريو الفيلم، مبتعدا عن  الاستعراض، والرغبة في الابهار عبر الصورة وحركة الكاميرا، بل أحيانا استطاعت كاميرا ايف صحناوي أن تؤسس لـ”الإيفيه”، وتخلق الكوميديا، من حركتها فقط.

رغم كل هذا فإن سيناريو هلال لم يكن مثاليا، أو خاليا من الأخطاء، فقد غرق أحيانا في بعض المشاهد الميلودرامية، ولسوء حظه، لم يكن ممثلوه في أفضل مستوياتهم، فقدموا مشاهد أقرب للافتعال.

كما أن بعض خطوط الفيلم، مثل شخصية “إنجي”، التي أدتها الممثلة نيلي كريم، أثقلت حبكة الفيلم، وكان يمكن حذفها بدون التأثير على مساره.  كذلك ظهر الحوار، في بعض الأوقات، شديد المباشرة، على الرغم من أنه، في مشاهد أخرى، كان ذكيا للغاية.

رغم كل هذا فإن الفيلم يعطي انطباعا قويا بتجربة سينمائية مصرية جديدة، مرضية للغاية من جوانب كثيرة، بداية من القصة، التي قد تنتمي لنوعية سينمائية هجينة بين الأفلام الرياضية وأفلام الاحتيال المليئة بالأكشين؛ مرورا بأساليب التصوير؛ وصولا لمنهجية الكوميديا.

كما أن هلال نجح بالاستفادة من كثير من تقنيات السينما العالمية، دون الوقوع في الفخ، الذي يسميه البعض “أمركة السينما المصرية”، أي إنتاج أفلام تحاول، بدون اتقان أو جدوى، تقليد الأفلام الأميركية الشهيرة. “روح” الفيلم كانت مصرية تماما، وإن كانت ذات ميل تجديدي واضح عما هو مألوف في السينما المصرية.

كما أن إعطاء دور البطولة للمثل محمد فراج، الذي لم “تحرقه” كثرة المشاركات في الأفلام السينمائية السائدة، كان اختيار موفقا، وكذلك الحال بالنسبة للمثلين المساعدين، مثل أمجد الحجار، والظهور الطريف لحجاج عبد العظيم، ومحمد عبد العزيز. كل هذا أكد على رغبة صنّاع الفيلم بخلق عمل يغرّد خارج المألوف.

حلم الأوسكار: ما الأمل الذي تعطيه “القدرة التنافسية الضعيفة”؟

كثيرا ما رشحت مصر افلاما للمشاركة في مهرجان الأوسكار، لم ينجح أي منها في دخول القائمة النهائية للمهرجان. إذا استثنينا الفيلم الوثائقي “الميدان”، الذي كان من إنتاج مصري-أميركي، ونافس عن فئة الأفلام الوثائقية، دون أن ينال أية جائزة.

يأتي فيلم “ڤوي ڤوي ڤوي” وسط تخبّط، تمر به صناعة السينما في مصر، وعلى الرغم من كل الجديد الذي يقدمه، الا أن الحلم بدخوله القائمة القصيرة للأوسكار بعيد المنال، فهنالك أفلام تأتي من دول أخرى حول العالم، بقدرة تنافسية أعلى بكثير. 

نيلي كريم وعمر هلال

الناقدة فايزة هنداوي، وهي أحد المسؤولين عن لجنة اختيار الأفلام المصرية المرشحة للأوسكار،  قالت عن آليه ترشيح الفيلم: “كل أعضاء اللجنة شاهدوا كل الأفلام المعروضة على مدار العام الحالي، وتم اختيار قائمة قصيرة، ضمّت خمسة أفلام، وهي “وش في وش”، و”19 ب”، و”بيت الروبي”، و”الباب الأخضر”، و”فوي فوي فوي”، وتم اختيار الأخير لترشيحه لسباق أوسكار، لأنه الفيلم الأكثر اكتمالا، سواء على مستوى عناصر الفكرة، والإخراج، وأداء الفنانين، والديكور، وحسم الفيلم التصويت بأغلبية مطلقة”. وتابعت أن “اللجنة تراعي كل معايير النزاهة والموضوعية في اختيار الأفلام، ولذا يستبعد أي عضو يشارك أحد أقاربه في الأفلام المعروضة على اللجنة، لضمان اختيار العمل، الذي يستحق تمثيل مصر في الجائزة العالمية”.

أما حول فرص فوز الفيلم بجائزة الأوسكار، قالت الناقدة الفنية إن “الفيلم المصري جيد، على مستوى جميع عناصر العمل، ولكن لا يمكن التكهّن بقدرته على المنافسة، إلا بعد مشاهدة الأفلام المرشحة من الدول المشاركة بالجائزة، ونظرة لجنة التحكيم للأفلام التي تستحق الجائزة”.

إنها مجرد “محاولة” إذن من السينما المصرية للعودة، سواء في السوق المحلية والعربية أو عالميا، ولا بأس بهذا، فهو يشير إلى أن ما اعتبرناه “حال” تلك السينما ليس الإمكانية الوحيدة، وهنالك أفكار وقدرات جديدة، قادرة على إنتاج صور أكثر ابتكارا، وقابلة للتطور.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
3.9 7 أصوات
تقييم المقالة
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات