شهد مونديال قطر 2022 كثيرا من السجالات السياسية. وتم ربط كثير من المباريات، والمنتخبات المشاركة بها، بمفاهيم وروايات متعلّقة بالهوية والتاريخ، وعلاقتهما بصراعات الحاضر. وربما كان المنتخب المغربي بالذات أحد أكثر المنتخبات المثيرة للمخيال الهوياتي، والمؤدية لـ”استحضار التاريخ”. فبعد انتصاره على إسبانيا والبرتغال، ومن ثم خسارته أمام فرنسا، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى محطات التلفزة في الفضائين العربي والفرانكفوني، استخداما واسعا لرموز وخطابات لم تخلُ من التذكير بسيطرة المسلمين على الأندلس، ثم طردهم منها. وكذلك معركة بواتييه (“بلاط الشهداء” في المصادر العربية) التي كرّستها الرواية الوطنية الفرنسية والأوروبية للتاريخ بوصفها ما حسم أمر التوسع العربي في أوربا، وأوقفه إلى الأبد. اللافت أن المعركة الأخيرة بالذات يتكرر استحضارها دائما في أوساط اليمين المتطرّف الأوروبي والجماعات الإسلامية. وتنتظر أية مناسبة، اجتماعية أو ثقافية أو كروية، لتطلّ برأسها من جديد في قلب الحاضر.
ضمن هذا الإطار، من المهم العودة لكتاب “شارل مارتل ومعركة بواتييه من التاريخ إلى الأسطورة الهوياتية” للمؤرّخَين المُختصين بتاريخ العصور الوسطى وليام ابْلان وكريستوف نودان، الذي صدر عام 2015، وأعيدت طباعته عدة مرات بعدها، وظهرت آخر الطبعات المزيدة منه أواخر عام 2022. وفيه يعرض المؤرخان لمعركة بواتييه، التي من المُرجَّح أنها وقعت عام 732 أو 733، بين قوات مكوّنة من العرب والأمازيغ، بقيادة عبد الرحمن الغافقي؛ وقوات من الفرنجة، يقودها شارل، الذي ستطلق عليه المصادر التاريخية لاحقا اسم “شارل مارتل” (المطرقة).
يقدّم الكتاب سياق المعركة التاريخي، والأحداث المتزامنة معها وتبعاتها، والمراجع التي ذكرتها منذ العصور الوسطى إلى يومنا هذا. إلا أن لا يكتفي بالبعد التاريخي البحت، بل يُعنى أيضا بدراسة السياق الاجتماعي/السياسي لـ”استخدام” المعركة. مركّزا على القراءات التي خضعت لها من قبل التنويريين والمحافظين؛ وكيفية التطرّق إليها في المناهج المدرسية، والكتب التعليمية المبسّطة؛ وصولا إلى الاستخدام الحالي، على وقع الأحداث السياسية والسجالات الفكرية والأيديولوجية الراهنة.
يبدو بالمحصّلة أن “بواتييه” لها دلالة أوسع بكثير من الحدث تاريخي المنتمي للعصور الوسطى، فهي عنصر مركزي في كثير من أيديولوجيات الحاضر، ولها علاقة بكثير من المفاهيم المُتداولة فيها، مثل “الشرق” و”الغرب”؛ “الإسلام” والإسلام السياسي؛ المركزية الأوروبية و الحضارة المسيحية و”الرجل الأبيض”، الخ.
من هنا لا بد من مقاربة هذه المعركة بوصفها واقعة تاريخية مشروطةُ بزمانها ومكانها. هل وقعت بالفعل أم كانت مجرد مناوشة عابرة كما يقول بعض المؤرخين؟ وما العوامل التي أدت لإخضاعها لقراءات واستعادات مختلفة ومتناقضة خلال مراحل تاريخية متعددة؟ وهل قرأها من يدّعون أنهم يتحرّكون خارج الأيديولوجيا بطريقة صحيحة وبأمانة بحثية؟ وهل ما ينطبق على هذه المعركة يمكن تعميمه على شخصيات وحوادث تاريخية أخرى، طالما جرى استعادتها واستخدامها سياسيا؟
بواتييه “الحقيقية”: حرب الدوق ورئيس البلاط
يؤكد وليام ابلان وكريستوف نودان أن “بواتييه” وقعت بالفعل، وليست مجرد أسطورة. وكانت شرارتها طلب دوق أكيتِن (“أقطانيا” في المراجع العربية) النجدة من عدوّه السابق شارل، الحاكم الفعلي لإمبراطورية الفرنجة، في وجه توسّع تحالف العرب والأمازيغ في محيط دوقيته. وتكتسب المعركة أهميتها من نتائجها السياسية “الداخلية”، إن صحّ التعبير على ذاك الزمان، والتي قادت شارل إلى التوسع لاحقا في دوقية أكيتِن، والتأسيس لسلالته الكارولنجية في الحكم، رغم أنه مات دون أن يحصل على لقب ملك (الذي سيكتسبه خلفاؤه فيما بعد) بل بقي رئيس البلاط الفرنجي. إلا أن هذه المعركة لم تكن حاسمة للوجود العربي في الأراضي التي تضمّها فرنسا اليوم. إذ استمرت سيطرة العرب والأمازيغ على بعض المناطق الجنوبية من فرنسا حتى عامي 758- 759.
وموقع معركة بواتييه، التي تذكرها المصادر الإنكليزية باسم “معركة تور”، غير معروف بالتحديد، إذ إضافة إلى التشويش الذي تحتويه المصادر في تحديد المكان، لا يوجد دليل متوفّر بين يدي علماء الآثار يساعد على تحديد الموقع، فلم يُعثر على بقايا قبور أو أدوات حربية أو ثياب أو نقود قرب مدينتي بواتييه أو تور.
علاوةً على ما سبق، تختلف المصادر في تحديد تاريخ المعركة الدقيق، وتخلط أحداثها بأحداث معركة أخرى، هي معركة تولوز، التي دارت عام 721، بين قوات الإمبراطورية الأموية، بقيادة السمح بن مالك الخولاني، وقوات دوقية أكيتن، بقيادة أودو دو اكيتاين، أو “أودو العظيم”. وانتهت بهزيمة الأمويين ومقتل الخولاني، وفشل قوات الدوقية في الوقت نفسه باستعادة مدينة تولوز من المسلمين.
ما يخلُصُ إليه الكتاب أن هناك معركة مهمة وقعت، لكنها لم تُعتبر لحظة وقوعها، أو حتى بعدها بقرون، حدثا غيّر التاريخ، كما ستوصفُ لاحقا، وذلك لأن أيّا من طرفي المعركة لم تكن لديه المعرفة بما ستؤول إليه ماهية الطرف الآخر، السياسية أو الحضارية، في المستقبل. وكان الأمر بالنسبة لهما صراعا على الأرض والنفوذ، مما يمتلئ به تاريخ العصور الوسطى.
شارل نفسه، الذي أُلصق به لقب “مارتل” (المطرقة) فيما بعد، لم يكن يعرف كثيرا عن خصومه، الذين تصفهم بعض المراجع المعاصرة بأنهم وثنيون، ولا تأتي على ذكر الإسلام. وربما لم يسمع شارل، المتوفى عام 741، بالإسلام أبدا، وإن سمع به فهو لم يعرف ماهيته. بينما كانت أهمية المعركة بالنسبة له متعلّقة بالصراعات الداخلية في الفضاء الفرنجي، إذ كانت رغبته الأساسية هي السيطرة على دوقية أكيتن، وهو ما نجح به في وقت لاحق، بعد انتصاره في المعركة.
هكذا يبدو أن كل المفاهيم التي تم تركيبها على معركة بواتييه، مثل التوسّع الإسلامي والدفاع عن الحضارة الغربية، لم تكن حاضرة في أذهان من خاضوا المعركة. بل صيغت في عصور أخرى، وبناء على انشغالات وغايات مختلفة. أما الكلام الرائج عن إيقاف الغزو العربي، وأهمية المعركة الاستراتيجية، فليس إلا تفسيرات واهمة ولاحقة للحدث. وهو ما تؤكّده قراءة المراجع العربية التي ذكرت المعركة، ولم تعطها أهميةً كبرى. لدرجة أن ذكرها سقطَ لدى رواة الفتوحات الأشهر، مثل الواقدي والطبري.
صناعة البطل: أساطير التنوير والمسيحية
الطريف أن “شارل مارتل” لم يصبح بطلا للغرب والمسيحية بعد المعركة، فطوال العصور الوسطى قدّمته المدونات التاريخية بشكل سلبي، بينما صوَّرته رسوم الأيقونات المتوافرة محترقا في حضيض الجحيم، لسطوه على أموال وممتلكات كنسيّة، وتوزيعها على حلفائه.
لم يُعتبر الحاكم الفرنجي قائدا لحرب مقدّسة ضد المسلمين إلا في القرن السادس عشر، بالتزامن مع إخراج ما تبقى من العرب والأمازيغ واليهود من إسبانيا. وقبل هذا التاريخ كانت معاركه ضد الغزوات الساكسونية هي الأهم في سيرته السياسية والعسكرية، وأكثر ذكرا من معركته ضد “السَّراسنة”، وهي التسمية التي كانت تطلق على العرب والمسلمين، وتوسّع استخدامها لوصف كل القادمين من جنوب جبال البرينيه، عربا وأمازيغا، ومن التحق بهم من الإسبان أيضا.
خلال عصر الأنوار اختلفت الرواية المتعلقة بمعركة بواتييه، إذ سادَ تصوّرٌ مثالي عن الإسلام بين التنويريين. وكانت وجهة نظرهم تقول إن العصور الوسطى الأوروبية ليست إلا مرحلة جهل وانحطاط حضاري. وبناءً على هذا التصور، نجد فولتير يتبنى خطابا يتحسّر فيه على هزيمة العرب والمسلمين، على اعتبار أن نصرهم كان سيُدخِلُ أوروبا في عصر ذهبي من الاستقرار وازدهار العلوم والطب والآداب، يشبه ما عرفته الأندلس، وكان يمكن لأوروبا بذلك تجنُّبَ انحطاط العصور الوسطى.
بقيت هذه النظرة سائدة في أوساط التنويريين حتى بدايات القرن العشرين، وقد استعاد صداها المرشَّحُ الرئاسي اليساري الفرنسي جان لوك ميلانشون، في حوار له مع إذاعة “فرانس كولتور” عام 2010، مؤكدا أن انتصار العرب كان يمكن أن يعود بالفائدة على أوروبا، ويجنبّها عصور الظلام والانحطاط.
في المقابل، كان الكاتب والسياسي المحافظ شاتوبريان، في مطلع القرن التاسع عشر، يرى أن المسيحية هي الأنوار، والعصور الوسطى بالنسبة له عصور أنوار مسيحية، وليست إسلامية. وفيها أنقذ شارل مارتل في بواتييه المسيحية وأوروبا من البربرية. كما اعتبر شاتوبريان أن الحملات الصليبية ردّ متأخّر على المعركة. مع العلم أن الكاتب الفرنسي أدلى بآرائه في مرحلة صعود محمد علي في مصر، وتلقّيه المساعدة العسكرية والمالية الفرنسية، وما رفضه شاتوبريان مُحتجّا، ومبديا تخوّفه بكلمات عنصرية، هو إنفاق الأموال الفرنسية على المسلمين، ” كي لا يعودوا ليسبحوا في مياه نهر السن، أو يلعب العبيد والزنوج في باحة اللوفر”.
تزامن هذا أيضا، مع مرحلة استعمار الجزائر عام 1830، وليس صدفة أن تستعاد خلالها مقولات شاتوبريان حول دفاع شارل مارتل عن الكنيسة. إذ شهدت هذه المرحلة رسم أشهر لوحة تُصوّر معركة بواتييه، بطلب من الملك لويس فيليب عام 1837، وفيها أظهر الرسّام شارل دو ستيبان عناصر تناسب الخيال السائد عن الجزائر والعرب، أكثر مما تناسب المشهد العام والمناظر الطبيعية لريف بواتييه.
خلال فترتي الجمهورية الثالثة والرابعة، بقيَ شارل مارتل من الشخصيات الثانوية في كتب التاريخ، ولم يشغل موقع الأبطال المؤسسين، وحينَ يُذكر “دفاعه عن الوطن” في الكتب المدرسية، فالمقصود حروبه ومعاركه التي خاضها ضد غزوات الساكسون، وليس ضد العرب. إذ كان التهديد الأساسي لفرنسا، في أواخر القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، يأتي من جارتها ألمانيا، وليس من “الإسلام”.
هويات التسعينات: قنابل أميركية وعمّال مغاربيون
لم يَشغل “الإسلام” أو المجتمعات المسلمة موقع الخصم الأساسي لليمين المتطرف قبل تسعينيات القرن العشرين، بل كانت “الإمبرياليتان” السوفيتية والأميركية العدو الأول. وكانت بعض تيارات اليمين المتطرف تنظر للمسلمين بوصفهم ضحايا العولمة، التي تقف تلك التيارات ضدّها. ولهذا أقامت أحزاب اليمين المتطرف علاقات مع الأنظمة السُّلطوية العربية، إذ كانت مواجهة الشيوعية والإمبريالية الأميركية وحليفتها إسرائيل قواسم مشتركة، وإن كان لكل طرف أسبابه في تلك العداوات.
استمرّ هذا الحال إلى أواسط التسعينيات، حين صاغَ المُنظّر السياسي الأميركي صموئيل هنتنغتون نظريته حول صراع الحضارات، التي لاقت قبولا وانتشارا في أوساط اليمين المتطرف، وتزامنت دوليا مع تصاعد عنف الحركات الإسلامية، وتدخّل حلف الناتو عام 1999 إلى جانب الألبان المسلمين في كوسوفو ضد صربيا، خلال الحرب اليوغسلافية.
وجدت المتغيّرات الدولية السابقة صداها داخل الحركات اليمينية المتطرّفة، التي تخلّصت مطلع التسعينات من عدوها الشيوعي، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، فتفرّغت للعدو الأميركي، واعتبرت أن التدخّل العسكري في كوسوفو ما هو إلا تحالف إسلامي مع الإمبريالية الأميركية، الساعية لإخضاع أوروبا وزعزعة استقرارها وحدودها، من خلال استقدام المهاجرين (الأفارقة والمغاربة والآسيويين) وتوطينهم على أراضيها.
ربما ما يفوتُ الكتاب الإشارة إليه في هذا السياق هو الوضع الداخلي في فرنسا، المتزامن مع هذه الأحداث، إذ بدأ صعود اليمين المتطرف أواخر عقد الثمانينات، إثرَ ارتفاع معدلات البطالة، الناجمة عن سياسات نزع التصنيع، وتصاعد حدّة الأزمة الاقتصادية، ما قادَ إلى إضراب عام 1995، الذي شارك فيه كثير من العمال المهاجرين، خاصة من شمال أفريقيا، وأدى لإسقاط حكومة رئيس الوزراء آلان جوبيه. خلال هذه المرحلة سوف تُستعاد ذكرى شارل مارتل، في دوائر المثقفين والمنظّرين المقربين من اليمين المتطرف، بوصفه مدافعا عن المسيحية وعن أوروبا بوجه الغزو الإسلامي.
“أنا شارلي مارتل”: تحولات اليمين والإسلام السياسي
رغم ما سبق، استمرت العلاقات خلال العقد الأول من الألفية الحالية بين حزب الجبهة الوطنية، بقيادة جان ماري لوبان، والأنظمة العربية. على أساس التشبث بالخطاب المعادي للسامية. وحاول اليمين الانفتاح على الجاليات المغاربية في فرنسا، خاصة خلال حملة الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2007.
من جهتها حاولت مارين لوبان، ابنه جان ماري، تخفيف نزعة معاداة السامية في حزب أبيها، إثر وصولها لزعامته عام 2011، فبدّلت اسمه إلى “التجمّع الوطني”. وتقاربت في الوقت نفسه مع بعض المنظّرين من اليمين الجديد، ممّن يرون أن الخصم الأساسي لأوروبا هو الإسلام المتحالف اليوم مع أميركا، والذي اختصروه بمصطلح l’islamérique (إسلاميريك)، في مزج كلمتي إسلام وأميركا. وبمواجهة التحالف الإسلامي الأميركي، يجب بناء تحالف حضاري آخر مكوّن من أوروبا وروسيا.
في المقابل لم يمنع هذا التيار ظهور تيار آخر داخل حركات اليمين المتطرف، من الأكاديميين والمنظّرين المهتمين بالجغرافيا السياسية والعلاقات الدولية، ينادي ببناء تحالف مُشكَّل من أوروبا وأميركا الشمالية في وجه تكتّل إسلامي وآسيوي، على اعتبار أن كل المعارك المهمة في التاريخ جرت بين شرق وغرب، وأهم هذه المعارك معركة بواتييه.
تدلّ التحولات السابقة في المواقف من الإسلام ومعاداة السامية والتحالفات الدولية، داخل حركات اليمين المتطرف، إلى مدى تحرّك هذا التيار الصاعد على وقع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المحلية والدولية، على عكس الصورة التبسيطية عنه، التي تريد اختزاله بمضمونه العنصري فقط.
على ضوء ما سبق، نعرف لماذا حَفَرَ متطرّف يميني تاريخ المعركة على عقب بندقيته، وتوجّه ليرتكب مجزرةً في مسجد في نيوزيلاندا. وكيف ظهر شعار “أنا شارلي مارتل”، على صفحات مواقع التواصل، الداعمة لجماعة “جيل الهوية” المتطرفة، بوصفه ردا على شعار “أنا شارلي”، الذي شاعَ استخدامه إثرَ جريمة قتل اثني عشر صحفيا في جريدة شارلي إيبدو على أيدي متطرفين إسلاميين. وهي الجريدة اليسارية التنويرية، التي لن يستطيع اليمينيون الفرنسيون التضامن معها تحت أي ظرف، نظرا للعداء التاريخي مع التيار الذي تمثّله.
لا تأخذ معركة بواتييه اليوم حيّزا كبيرا من خطاب اليمين الأوروبي المتطرّف فحسب، بل أيضا من خطاب جماعات الإسلام السياسي، وروايتها للتاريخ وأحداثه. إذ لم تستخدمها فقط الجماعات الجهادية في إصداراتها المرئية والمسموعة، بل من اللافت تكرار استخدامها من قبل جمعيات إسلامية وأئمة في فرنسا، رغم أنهم لو عادوا للمصادر العربية لوجدوا أن تضخيم شأن المعركة ونتائجها أتى في زمن لاحق، ومن مصادر أوروبية. لن نندهش بعد كل هذا إذا رأينا البعض يعتبرون مباراة المغرب وفرنسا في مونديال قطر “بواتييه جديدة”.
يحافظ عمل وليم ابلان وكريستوف نودان على الرصانة البحثية. ورغم التزامهما السياسي والبحثي في نقد الرواية الوطنية السائدة للتاريخ، إلا أنهما لا يقعان في فخ نكران أحداث تاريخية، أو التقليل من شأنها وأثرها، على غرار ما يفعله مؤرخون يدّعون العمل خارج الأيديولوجيا، ويرغبون بتكريس “حقائق بديلة”. وعوضا عن أن يوضحوا سياق الأحداث ونتائجها، يذهبون في محاولة جديدة لمحاكمة وقراءة الحدث التاريخي على ضوء أفكار الحاضر، وانحيازات التيارات السائدة في الأوساط الأكاديمية “اليسارية”، ووسائل الإعلام، وجهات التمويل بطبيعة الحال.
في الختام يجدر الذكر أن المؤرخ كريستوف نودان أحد الناجين من اعتداء مسرح “باتكلان” في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، الذي نفّذه متطرفون إسلاميون. ومن حسن الحظ أنه يواصل عمله مؤرخا وباحثا، ولم يقبل أن يُجمّدَ ويُعلّبَ في خانة ضحية/أيقونة، أو صورة الناشط الصارخ، الذي يرشحُ زيت الحقيقية والحق من بين يديه.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.